لم تكد تمر ساعات على موافقة دمشق المشروطة على بروتوكول بعثة المراقبين العرب، إلا وخرج الرئيس السورى، بشار الأسد، بتصريحات مستفزة جديدة نفى خلالها أى مسئولية له عن أعمال العنف التى تشهدها بلاده منذ مارس الماضى. وأضاف فى مقابلة خاصة أجرتها معه شبكة "إى بى سى نيوز" الأمريكية فى 7 ديسمبر أنه لم يصدر أية أوامر بقمع المحتجين، زاعما أن غالبية من راحوا ضحية أعمال العنف فى الفترة الأخيرة إنما هم من مؤيديه وأفراد قواته. وألقى الأسد باللائمة بشأن أعمال العنف الدائرة بالبلاد على من سماهم بالإرهابيين والمجرمين و"المتطرفين" الموالين لتنظيم القاعدة، وليس على جنوده، مشيرا إلى أن هؤلاء "المتطرفين" يندسون وسط المتظاهرين السلميين. ونفى واقعة تعذيب الطفل حمزة الخطيب "13 عامًا" الذى تواردت قصته وصوره جميع وسائل الإعلام على اختلافها بعد أن استقبل والديه جثته وعليها حروق وآثار للتعذيب. وتعليقا على هذه الواقعة بالتحديد، قال الأسد إنه التقى مع والد هذا الطفل الذى نفى ما تردد فى الإعلام عن تعذيبه، مضيفا أن الضحايا الذين سقطوا جراء أعمال العنف فى شوارع سوريا ليسوا من المحتجين المدنيين. وألمح إلى أنه من بين الضحايا الذين سقطوا نحو ألف ومائة جندى سورى سواء من الجيش أو قوات الأمن، وأن غالبية ما تبقى من الضحايا من المؤيدين لنظامه وليسوا من المحتجين. وعن الضباط المنشقين عن الجيش السورى، أقر الأسد بأن عددًا من الضباط انشقوا بالفعل عن القوات المسلحة السورية، إلا أنه أكد أنهم عوقبوا إزاء ما فعلوه. وتابع "أى رد فعل وحشى إنما هو نابع من أوامر أفراد وليست أوامر مؤسسات .. فهناك فرق شاسع بين أن تكون هناك سياسة متبعة للقمع وأن تصدر أخطاء عن بعض المسئولين". وشدد الأسد مجددًا على عدم إصداره أوامر بقمع المجتجين، قائلا :"نحن لا نقتل شعبنا، وليست هناك أية حكومات فى العالم كله تقتل الشعوب إلا إذا كان قائدها شخصًا مجنونًا". وردًا على سؤال وجهته له المذيعة التليفزيونية الأمريكية الشهيرة باربرا والترز التى أجرت معه المقابلة وأكدت له فيه أنها رأت بعينها مشاهد لاعتقال المواطنين ومن بينهم الأطفال، قال لها الأسد :"حتى أكون صريحًا معك .. أنا لا أصدقك". وبالنظر إلى أن المزاعم السابقة تتناقض تماما مع تقرير لجنة تقصى الحقائق التى شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والذى أكد وقوع انتهاكات وعمليات تعذيب وجرائم اغتصاب ضد المحتجين السوريين، فقد حذر كثيرون من أن الأسد لن يتراجع أمام العقوبات وأنه يعول كثيرا على الدعم الروسى ودفع البلاد إلى الحرب الأهلية. ويبدو أن المعارضة السورية تدرك الأمر السابق، ولذا بدأت تنسيقًا واسعًا مع تركيا وواشنطن لإحباط مخطط الحرب الأهلية، حيث كشف سيبل أدموندس أحد العاملين السابقين فى مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى "إف بى آى" أن المعارضين من أعضاء الجيش الحر السورى المنشق عن نظام الأسد يتلقون تدريبات سرية فى مخيمات مدينة هطاى الحدودية مع سوريا. ونقلت صحيفة "ميلليت" التركية عن أدموندس قوله فى 7 ديسمبر إن ضباط القوات الأمريكية وحلف الناتو يقومون بتدريب المعارضين السوريين فى قاعدة انجرليك لإعدادهم للإطاحة بنظام الأسد. وأضاف أن المعلومات الواردة إليه من مصادر أمريكية وتركية تشير إلى إن أعضاء الجيش الحر السورى بزعامة العقيد رياض الأسعد يتدربون فى قاعدة انجرليك منذ شهر مايو الماضى وأن أمريكا تدرب المعارضين، بالإضافة إلى تقديمها الدعم المالى والسلاح لهم، مؤكدا أن أمريكا تهرب الأسلحة لسوريا من قاعدة انجرليك. ولعل ما يؤكد صحة تصريحات أدموندس السابقة أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون التقت أيضا فى جنيف فى 6 ديسمبر ستة معارضين من أعضاء المجلس الوطنى السورى. وقالت كلينتون خلال اللقاء إن المعارضة تدرك أن الأقليات السورية بحاجة لطمأنتها إلى أنها ستكون أفضل حالا فى ظل نظام من التسامح والحرية، هذا فيما أكد أعضاء المعارضة السورية أنهم يدركون الحاجة إلى التواصل مع الأقليات، وخاصة الأقلية العلوية التى ينتمى إليها الأسد وتخشى أعمال انتقامية شديدة إذا سقط نظامه. وبصفة عامة، يرجح كثيرون أن استفزازات الأسد المتواصلة لن تجدى نفعا، خاصة أن المعارضة السورية تسابق الزمن لإحداث اختراق كبير داخل نظامه، هذا بالإضافة إلى التقارير المتزايدة حول احتمال حدوث انقلاب عسكرى ضده بدعم من تركيا وأمريكا.