أكدت مصادر مطلعة ومحللون سياسيون أن سلسلة التغييرات الواسعة داخل المكتب السياسي والأمانة العامة للحزب الوطني الحاكم ، والتي بات من المؤكد اعتمادها من الرئيس مبارك رئيس الحزب خلال الساعات القليلة المقبلة، تعكس فشلا كبيرا للسياسة التي انتهجها جمال مبارك نجل الرئيس وأمين لجنة السياسات بالحزب خلال الأعوام الثلاثة الماضية لتفعيل المؤتمرات العامة والسنوية للحزب، واستخدامها كأداة للإحاطة برموز الحرس القديم بالحزب، وأنه في النهاية لم يجد مفرا من الاعتماد على صلته الشخصية بالرئيس مبارك كي يطيح ، وبقرار فوقي، بخصومه داخل الحزب، خاصة بعدما أخفق نجل الرئيس في تكوين قاعدة شعبية مساندة له داخل الحزب، فضلا عن فشل العديد من المقريين منه في اجتياز الانتخابات البرلمانية الأخيرة . وأشارت التوقعات إلى أن صفوت الشريف سيبقي في موقعه أميناً عاماً للحزب، وسيكون هناك ثلاثة أمناء مساعدين هم: جمال مبارك مع احتفاظه بأمانة السياسات ود. مفيد شهاب مع احتفاظه بأمانة المهنيين ود. زكريا عزمي أمينا مساعدا للشئون المالية والإدارية، على أن يتم تعيين المهندس أحمد عز أمينا للتنظيم بدلا من كمال الشاذلي الذي سوف يتم تصعيده إلى منصب نائب رئيس الحزب، وهو منصب شرفي بلا صلاحيات ولا سلطات. وتشمل التغييرات تعيين الدكتور علي الدين هلال أمينا للإعلام والدكتور محمد كمال أمينا للتدريب والتثقيف والدكتور محمود هيبة للشباب ووزيرة القوى العاملة عائشة عبد الهادي أمينا للمرأة والدكتور حسام بدراوي لقطاع الأعمال وسعيد الألفي للمالية والإدارية ومحمد أنيس للفلاحين ومحمد عبد الحليم للعمال. وينضم للأمانة العامة للحزب للمرة الأولى كل من ثروت باسيلي ورابح بسطا ووزير الإعلام أنس الفقي ، وفي المقابل شهدت التغييرات خروج كل من الدكتور حسين كامل بهاء الدين وزير التعليم الأسبق والدكتور محمد عبد اللاه رئيس جامعة الإسكندرية ، بينما حافظ ماجد الشربيني على عضويته بالأمانة . وتتضمن حركة التغييرات الإطاحة بالعديد من أمناء الحزب بالمحافظات ، خاصة من أمضوا سنوات طويلة في مناصبهم ، ويأتي على رأس هؤلاء أمناء الحزب في دمياط والمنوفية والإسكندرية وسوهاج وأسيوط ومطروح وكفر الشيخ والدقهلية وبورسعيد والمنيا. وتعليقا على تلك التغييرات ، أكد الدكتور محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية أن تزايد نفوذ ودور رجال الأعمال داخل الحزب الوطني وفي الحكومة على حساب طبقة "التكنوقراط" يشكل خلالا ويعكس حالة من عدم توازن في المصالح بين الطبقات الاقتصادية والسياسية والفكرية ، ولابد من إعادة هذا التوازن علي كافة المستويات . ورفض سعيد الربط بين صعود رجال الأعمال في التشكيل الوزاري والحزب الوطني وبين تنفيذ مخطط توريث الحكم ونقل السلطة من الرئيس إلي نجله جمال، مشيرا إلي أن طبقة رجال الأعمال في مصرلا يمكن المراهنة عليها لتنفيذ هذا المخطط خصوصا وأن المصريين يرفضون فكرة التوريث الممقوتة. ويري سعيد عدم وجود تناقض بين تصريحات جمال مبارك عن رفضه الترشيح لرئاسة الجمهورية وتصعيده داخل الحزب الحاكم ، معتبرا أن كلام نجل الرئيس عن رفض التوريث قابل للتصديق إذا افترضنا أنه يدرك ويؤمن بأن الشعب المصري يرفض التوريث ويصر علي تحقيق حلمه القديم في أن يكون لديه النظام جمهوري ، والنظام الجمهوري هنا لا يعني انتقال السلطة من الرئيس إلي نجله بقدر ما يعني أن تكون مصر دولة للجمهور والشعب كله. من جانبه ، اعتبر الدكتور السيد عوض عثمان المحلل السياسي أنه بغض النظر عن تصريحات جمال مبارك عن رفضه الترشيح لرئاسة الجمهورية من عدمه أو الممارسات السياسية التي يقوم بها علي أرض الواقع ، فإنه أصبح اللاعب الأساسي في السياسة المصرية وخصوصا علي الصعيد الداخلي ، وبات من المستقر أن هناك توزيعا وظيفي للمستويات . وأضاف من استقراء الواقع السياسي نجد أن الرئيس مبارك يدير مستويات السياسية الخارجية والأمن والدفاع ، في مقابل تولي جمال مسئوليات رسم سياسات التشكيلات الوزارية وخصوصا فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية. وتوقع د. عثمان أن يكون السيناريو القادم هو أن يتولى نجل الرئيس أمينا عام للحزب الوطني ، وهي قفزة كبيرة تمكنه من أحكام قبضته علي مقاليد الحزب الحاكم ثم تطوير هذا الحزب وبصورة ليس لها علاقة بالتوريث يتقدم للترشيح في رئاسة الجمهورية ويرتبط هذا بحدوث تغير كبير في المزاج الشعبي يمكن من خلاله قبول ترشيح نجل الرئيس للانتخابات الرئاسية . وأوضح عثمان أن تصاعد دور رجال الأعمال يتسق مع سياسات الدولة في الوقت الراهن ، والتي تتجاهل مصالح الطبقات الفقيرة والكادحة في مقابل طغيان مصالح رجال الأعمال على هذه المصالح ، مؤكدا على أهمية المزاج الشعبي في قبول هذا الوضع فالاستقرار السياسي والحالة السياسية في مصر لا يمكن لأحد أن يتنبأ به ، مذكرا بما حدث في 18 و19 يناير حيث أنفجر الشعب في وجه السياسات الاقتصادية. وفي المقابل ، اعتبر الدكتور عبد الحليم قنديل المتحدث الرسمي لحركة "كفاية " أن أحاديث جمال مبارك عن عدم نيته الترشيح لرئاسة الجمهورية هو كلام لا يوثق فيه ، مشيرا إلى أن ملف توريث الحكم في مصر يتصاعد بقوة حاليا ، ولو كان مبارك الابن صادق في وعوده لانسحب من الساحة السياسية . وأضاف قنديل أن تصعيد مجموعة وزراء البيزنس والشباب وثيقي الصلة بنجل الرئيس هو مؤشر قوي على صعود ملف التوريث وانتقال السلطة من مبارك الأب إلى مبارك الابن ، مؤكدا أن الإطاحة بعدد من الوزراء القدامى جاء كخطوة لإخلاء الطريق وتنفيذ مخطط التوريث على أرض الواقع من خلال مجموعة وزراء البيزنس. ورفض المتحدث الرسمي لكفاية أن يكون هناك ما يسمى بالحرس القديم والحرس الجديد داخل الحزب الوطني ، فهناك مماليك جدد ومماليك قدامى ، كذلك عدم وجود ما يسمى بالفكر الجديد لأنه لم يكن هناك قديم وأن ما يحدث في الوقت الراهن هو تهيئة الأجواء لتسويق جمال مبارك سياسيا تمهيدا لتوريثه حكم مصر.