أخيرا انتهى الجدل الدائر حول رئاسة مجلس النواب اليمني بإعادة انتخاب الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح (أكبر أحزاب المعارضة اليمنية والحزب الإسلامي الذي يمثل جملة من القوى في مقدمتها : الإخوان المسلمون ) ، لعامين قادميين ، بعد أن تردد أن ثمة محاولات للحيلولة بينه وبين العودة إلى موقعه الذي يحتفظ بالسيطرة عليه منذ انتخابات 1993م ،حين كان حزبه مشاركا في الائتلاف الثلاثي ( أحزاب المؤتمر الشعبي والحزب الاشتراكي وتجمع الإصلاح)، ثم الائتلاف الثنائي بين حزبي المؤتمر الشعبي وتجمع الإصلاح ، إثر خروج الاشتراكي من الحكم عقب محاولته الفاشلة في انفصال جنوب اليمن عن شماله في صيف 1994م. ورغم خروج حزب الإصلاح الذي يقوده الشيخ من الحكم بعد أن استأثر بالأغلبية المريحة فيه حزب المؤتمر الشعبي في انتخابات 1997م ؛إلا أن الشيخ ظل رئيسا للمجلس بوصفه شخصية تاريخية عامة، ذات دور نضالي ، تمثّل محط إجماع كل القوى السياسية والاجتماعية في البلاد. وتأكّد ذلك أكثر بإبقائه في موقعه ذاته إبّان انتخابات 2003م، حيث ترشح باسم حزبه (الإصلاح ) وباسم حزب ( المؤتمر) أيضا، وقيل كذلك إن السبب هو خصوصية الرجل التي تمثل محط توافق اليمانيين. وبذلك عاد إلى سدّة رئاسة مجلس النواب، لي ظل الرجل محتفظا بمركزه ذاته، رغم أن حزبه لا يمثل الأغلبية داخل المجلس بل يقود المعارضة داخل المجلس وفي الشارع، وذلك من أندر الحالات في العُرف البرلماني. ومن هنا يتساءل المهتمون عن سرّ الجدل الذي انتهى بإعادة الشيخ الأحمر على نحو بدا كأنه تنازل من الحزب الحاكم ، ومراعاة للوئام السياسي والاجتماعي ،لكنه احتوى رسالة ضمنية مفادها أن هذه منّة من الحزب الحاكم ،أتت بتوجيه من رئيسه علي عبد الله صالح ،الذي يرأس الدولة في الوقت ذاته. من يتابع الشأن السياسي اليمني لا يخفى عليه مكمن العلاقة العضوية التقليدية التي تربط بين الرئيس صالح والشيخ الأحمر، حيث إن التركيبة القبلية للمجتمع اليمني، جعلت من الشيخ يحتل موقع الرجل الأول في أقوى التجمعات القبلية، وهي قبيلة حاشد، التي ينتمي إليها الرئيس صالح. ومن المعلوم أن هذه القبيلة ذات دور ريادي وتاريخ نضالي عبر التحولات التي شهدها الواقع اليمني المعاصر؛ إذ مثّلت عائلة آل الأحمر التحدي الأبرز في مواجهة حكام المناطق الشمالية ، ولم يعرف ود مستمر يذكر بين أيّ من الأسرة التي ينحدر منها الشيخ الأحمر طيلة العقود الماضية على الأقل وبين حكّام تلك الحقب .وقد لاقى الشيخ عبد الله ذاته من ويلات القهر والاضطهاد الإمامي منذ طفولته الأولى حين احتفظ به رهينة من قبل الإمام في العهد الملكي ، الذي لم ينته ليله الحالك إلا صبيحة السادس والعشرين من عام 1962م. جاء التغيّر في مسار العلاقة بين الشيخ الأحمر ومؤسسة الرئاسة ( أي رئاسة البلاد) على نحو شبه حاسم ؛ عقب إطلاق الشيخ تصريحه الناري إبّان انعقاد المؤتمر العام لحزب الإصلاح في 13فبراير من العام الماضي 2005م. لقد وصف الشيخ سياسة الحزب الحاكم تجاه الأوضاع الاقتصادية والسياسية بأنها أدخلت البلاد في نفق مظلم. وهنا حدث ما لم يكن له سابقة في تاريخ العلاقة بين الشيخ ومؤسسة الرئاسة ، إذ أطلق الحزب الحاكم لصحفه عنان النيل من الرجل والسخرية من شخصيته ،ونبزه بشتى صنوف الاتهامات ، والمقابل واجهتها حملة احتجاج مضادّة من قبل حزب الإصلاح وأنصاره في مختلف أرجاء البلاد. ولم تتوقف الحملة إلا بعد مرور أكثر من 15 يوما ، بعد أن قُدّم اعتذار رسمي للشيخ حمله إلى منزله رئيس مجلس الشورى السيد عبد العزيز عبد الغني. ولم يخف الشيخ ولا أبناؤه ولاسيما نجله حسين بن عبد الله الأحمر أن تلك الحملة لم تكن لتحدث لو لم يكن لديها ضوء أخضر من مؤسسة الرئاسة. ومهما بذلت من جهود بعد ذلك لتسوية الأزمة فإنها لاتزال تترك أثرها على نحو مباشر أو غير مباشر على مسار العلاقة بين الطرفين، ومن آخرها أزمة ترشيح رئاسة مجلس النواب التي لم تنته على ذلك النحو إلا بعد أن تم إبلاغ الشيخ رسالة قوية حاصلها أن تصريحه لم يمر بسلام ، وان عليه أن يدرك عاقبة ذلك مستقبلا. ولعل من تداعيات ذلك تصريح الشيخ لقناة الجزيرة في إطارحوارها معه في برنامج( زيارة خاصة) ، حين سئل عن رأيه في إعادة ترشيح الرئيس صالح نفسه للانتخابات القادمة فأورد المثل الشعبي اليمني القائل:" جنّي تعرفه أحسن من إنسي ما تعرفه|"، وهو مايفهم منه دلالتان متلازمتان :إحداهما أن الرئيس سيتراجع عن قراره بعدم خوض الانتخابات الرئاسية القادمة ، وأن قرار الموافقة على وضع كهذا أشبه ب( الشر الذي لامفرّ منه). الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر شخصية لا تخلو من إثارة جدل داخلي،غير أن مواقفها الداخلية اتسمت منذ وقت مبكر بالوقوف مع حركة الإصلاح الإسلامي، بدءا بعلاقته بالقاضي الراحل أبي الأحرار محمد محمود الزبيري الذي يؤكّد بعض رجالات الحركة الإسلامية في اليمن بأنه يعدّ الرائد الأول لها، بعد نقله لتجربتها (الإخوانية) من القاهرة، وانتهاء بترؤسه لحركة تجمع الإصلاح الإسلامي اليوم. أما على الصعيد الخارجي فقد عُرفت مواقف الشيخ بالمعارضة المتشددة للسياسات الأمريكية والصهيونية في المنطقة ولاسيما بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر، وهو حاليا يرأس مؤسسة القدس لدعم جهاد الشعب الفلسطيني والمحافظة على هوية القدس الإسلامية في وجه تحدي التهويد المتزايد . وفي هذا السياق يستبعد بعض المراقبين عفوية الحادث المروري المروّع الذي تعرض له موكب الشيخ الأحمر في داكار العاصمة السنغالية في مارس 2004م، أثناء مشاركته في أعمال المؤتمر الثالث لمجلس اتحاد البرلمانات الإسلامية. [email protected]