في الوقت الذي ستُجرَى فيه الانتخاباتُ الرئاسية اليمنيَّة في العام بعد المقبل، فإن كثيرًا من المراقبين يَرَوْن أن هذا البلد العربي مقبلٌ على غموض رئاسي، كما هو الحالُ في مصر، وقد يتعدَّد في دول أخرى. موضع الغموض هنا أن الإحلال والدفع بدماء رئاسية جديدة، سيكون بديلًا شرعيًّا للرئيس الحالي علي عبد الله صالح، الذي لن يتمكَّن من إعادة ترشيح نفسه مرةً أخرى، وفق ما يقرُّهُ الدستور. إلا أنه رغم هذا التجديد المأمول، الذي تتمناه جميع الشعوب العربية في بلادها، فإن ضبابية المشهد السياسي يكاد يكون محفوفًا بالتكهُّنات الصعبة حول المرشحين، وخليفة الرئيس اليمني. وتأتي هذه الضبابية في المشهد الذي تَمَّ فيه أخيرًا الاحتفالُ بذكرى توحيد شطْرَي اليمن، والذي ينظر إليه اليمنيون بقدر كبير من التقدير والاهتمام، بعد اغتيال رئيسين، هما المقدم إبراهيم الحمدي، والمقدم إبراهيم الغشمي، وهذا الأخير كان قد اتّهم باغتيال الأول. وينظرُ كثير من المراقبين اليمنيين إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة على أنها المرَّةُ الأولى التي يتمُّ فيها إخضاع منصب رئيس الجمهورية للانتخاب الحرّ والمباشر من قِبل مجلس الشعب التأسيسي بعد أن كان الوصول إلى السلطة يتم عن طريق الانقلابات التي تحصد معها الكثير من الضحايا ويكون الثمن فيها باهظًا ومكلِّفًا. كما يرى هؤلاء أن ذلك الحدث جاء ليؤكد أن اليمن قد انتقل من مرحلة الشرعية الثورية إلى مرحلة الشرعية الدستورية والديمقراطية بعد أن تصدَّر الرئيس صالح لهذه المهمة. وإزاء الغموض بشأن منصب الرئاسة باليمن بعد انتهاء فترة رئاسة الرئيس صالح عام 2013، هناك عدةُ تكهنات تتردد في الأوساط اليمنية، حيث يعتقد البعض أنه سيتمُّ تجديد الدستور مثل الجزائر، لصالح الرئيس، وآخرون يعتقدون بأن نجله هو الرئيس القادم، وطرف آخر يرى أن هناك شخصًا ما سيحكُم اليمن بين فترة الرئيس صالح، وبين نجله، كما حدث بين بوش الأب وبوش الابن، حيث كان بينهما كلينتون، وهذا الرأي لا يزال ضعيفًا بين أوساط السياسيين والمثقَّفِين. ويؤكِّد عدد كبير من قيادات الحزب الحاكم والمواطنين المنتمين للحزب أن العميد أحمد علي صالح، الذي يقود الحرس الجمهوري والحرس الخاص لم يكشفْ حتى الآن أوراقَه السياسية، وأنه حذِر في الجدل السياسي، بينما يتمتع بحزم أمني يُعيد إلى الأذهان حزمَ والده في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، كما يرون أنه الأجدرُ على حكم البلاد بعد والده، كونه محتكًّا به، وعالمًا بالكيفية التي أدار والده بها البلاد، وخاصة إرضاء القبائل والمعارضين. ويري محللون أن العميد أحمد علي صالح (نجل الرئيس اليمني) يلقى تأييدًا من الحزب الحاكم لرئاسة البلاد بعد عام 2013، وله شعبيَّة يستمدُّها من شعبية والده. كما يرون في الوقت نفسه أن هناك شخصيتين هما الأكثر منافسة لنجل الرئيس، وهما الشيخ حميد الأحمر (معارضة) والرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد, لكنهم يؤكدون أن الرئيس علي صالح هو الأجدر بقيادة البلاد حتى ما بعد انتهاء ولايتِه، كونه يتمتع بخبرة طويلة، ولا زال بصحة جيدة, ويحسن التحدُّث, ولا بد أن يكملَ مسيرته حتى يحِلَّ بعض المشاكل الاقتصادية والسياسية. ويرى محللون أن أبرز المعارضين لتولي نجل الرئيس للقيادة البلاد هو الشيخ حميد الأحمر، بالإضافة إلى تحالف أحزاب المعارضة عبر تكتُّلِها اللقاء المشترك، وما يسمى بالحراك الجنوبي. ويشير آخرون إلى أن هناك أربع شخصيات سياسية يتداولُها اليمنيون شمالا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، ويرون أنها الأقوى لمنافسة نجل الرئيس صالح في الرئاسة اليمنية، وهي شخصيات الشيخ حميد الأحمر والرئيس الأسبق علي ناصر محمد وعلي سالم البيض، واللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية. ويؤكِّد المراقبون أن اللواء علي محسن محمد الأحمر يمتلك شعبيَّة كبيرة بين العسكر الموالين لأكبر الأحزاب شعبيةً في اليمن، (المؤتمر الشعبي العام "الحزب الحاكم" والتجمع اليمني للإصلاح "المعارض"), وإن كان نجل الرئيس قد نفى في وقت سابق شائعات بشأن وجود خلاف بينه وبين اللواء علي محسن. وفيما يتعلق بالشيخ حميد الأحمر، فإنه أكد في أكثر من مناسبة أنه لا يسعى للحكم، رغم تأكيد عدد كبير من أعضاء حزب التجمع اليمني للإصلاح (أكبر الأحزاب اليمنية المعارضة) تأييده للأحمر في حال ترشيح نفسه للرئاسة. وحميد الأحمر من الناحية السياسية، استطاع جمْع المعارضة في تكتل اللقاء المشترك، وحاليًا يعمل على تجمُّع المعارضين والموالين للحاكم, والمستقلين والأدباء والعلماء في حوار وطني. وأما نائبُ الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض والرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد، فإن المحللين يرون أنه رغم أن لهما مؤيدين من أبناء المحافظات الشمالية اليمنيَّة، غير أن أغلب شعبيتهما في المحافظات الجنوبية، وبالتالي قد لا يتمكَّنَان من حصْد شعبية كبيرة. ويُطالب عدد من قيادات أبناء المحافظات اليمنية الجنوبية، وبعض القيادات المعارضة من أبناء المناطق الشمالية، وعلى رأسهم الشيخ حميد الأحمر، بأن يكون الرئيس اليمني القادم جنوبيًّا (من أبناء محافظات الجنوب). وعلى الرغم من ذلك فإن هناك عددًا غير قليل من الموطنين اليمنيين، وخاصة في المناطق الشمالية (الأكثر سكانًا قرابة 20 مليون نسمه) بدءوا يتعمَّدُون شراء صور تجمع بين الرئيس علي صالح ونجله أحمد ويضعونها على سياراتهم ومنازلهم ومكاتبهم، في إشارة منهم إلى أن القادم لرئاسة البلاد هو العميد الركن أحمد علي عبد الله صالح، الذي لا يكادُ يظهر في وسائل الإعلام إلا نادرًا، كما أنه يتجنَّب المقابلات الصحفيَّة المصدر: الإسلام اليوم