يمثل حزب التجمع اليمنى للإصلاح (الإخوان المسلمين) أكبر أحزاب المعارضة اليمنية فى الوقت الراهن، ويشكل مع الحزب الاشتراكى اليمنى، والتنظيم الناصرى، وحزب البعث العربى الاشتراكى، واتحاد القوى الشعبية وحزب الحق تكتل (اللقاء المشترك) المعارض. وشهدت السنوات الأخيرة ضرب آخر مسمار فى نعش التحالف التاريخى الطويل بين الإخوان والسلطة، خاصة بعدما وصف الرئيس على عبدالله صالح فى مقابلة تليفزيونية قبل نحو 3 سنوات، الإخوان بأنهم «كارت أصبح الآن محروقا»، لكن تمسكهم بالغطاء والسند القبلى الذى مثله لهم الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر لم ينته برحيله فى ديسمبر2007، بل كان - ولا يزال - إحدى دعائم تثبيت وضعهم السياسى سواء كانوا داخل السلطة أو خارجها. وبدا لافتا فى الآونة الأخيرة أن قيادات الإخوان تفضل التوارى إعلاميا والعمل بصمت، مقابل تمهيد الطريق أمام حميد الأحمر، نجل الشيخ عبدالله، رجل الأعمال البارز الأكثر صدامية مع النظام والحزب الحاكم، فكيف بدأ التنظيم عمله فى اليمن، وكيف تحول من التحالف مع السلطة إلى معارضتها. بالعودة لجذور حركة الإخوان فى اليمن، لا بد من الإشارة إلى أن البلاد كانت تعيش فى أربعينيات القرن الماضى بداية توجهات تحررية معارضة لنظام حكم الإمام يحيى حميد الدين المنغلق والاستبدادى، الذى اتسم حكمه بالتخلف والجهل والفقر، وشكلت هذه الأجواء بيئة خصبة للتيارات الأيديولوجية اليسارية والقومية والإسلامية لإيجاد قاعدة لها فى الساحة اليمنية عن طريق احتضان الطلاب اليمنيين الدارسين فى البلاد العربية، خصوصا فى القاهرة وبيروت وبغداد ودمشق. وتشير المصادر التاريخية إلى أن حسن البنا، مؤسس الحركة، كانت له لقاءات مع عدد من الطلاب اليمنيين الدارسين فى مصر منتصف الأربعينيات، لكن عام 1970 شهد بداية النشاط العلنى لهم، بحسب العديد من الباحثين، حيث عملوا من خلال السلطة وشاركوا فيها. ويعتبر محمد قحطان، رئيس الدائرة السياسية فى التجمع اليمنى للإصلاح سابقا، أن عهد الرئيس الأسبق عبدالرحمن الإريانى (67 1974) هو العصر المثالى لهم رغم الخلافات، كما استفادوا أيضا فى عهد الرئيس المقدم إبراهيم الحمدى (74 - 1977)، ذى التوجهات الناصرية، الذى انهمك فى تصفية حساباته مع مراكز القوى القبلية والبعثيين داخل الجيش، فسعى لاستمالة الإخوان إلى صفه أو على الأقل تحييدهم. ومرة أخرى، استفاد الإخوان من وصول الرئيس على عبدالله صالح إلى الحكم عام 1978، خاصة مع التهديدات التى مثلها الخطر الماركسى المدعوم من النظام الشيوعى فى اليمن الجنوبى، فشكل صالح تحالفا مع الإخوان فى مواجهة المد الشيوعى ولإقصاء الناصريين. وفى عام 1982، حدث انشقاق فى صفوف الإخوان قاده الأمين العام للتنظيم عبدالملك منصور، الذى تبنى مشروع اندماج الإخوان النهائى بالسلطة، تحت مبرر تعزيز تأثيرهم فى عملية صنع القرار، وهو ما ترتب عليه إصدار مراقب عام الجماعة آنذاك ياسين عبدالعزيز تعميما لمكاتب فروع الإخوان بعدم التعامل مع منصور، وهو ما شكل بداية الانشقاقات بين قيادات الإخوان. ومع إعلان وحدة الشمال والجنوب عام 1990 وإقرار التعددية السياسية والحزبية فى البلاد، أعلن الإخوان المسلمين قيام حزب التجمع اليمنى للإصلاح فى 13 سبتمبر من العام نفسه، ولضمان قوة تحميهم فى مواجهة أى استهداف من السلطة، اتفق الإخوان على اختيار الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ قبيلة حاشد (أكبر قبائل اليمن وأكثرها نفوذا سياسيا وعسكريا وعشائريا) ليكون رئيساً للهيئة العليا للتجمع. وفى الوقت الذى قاد فيه الإخوان المسلمين حملة تكفيرية للدستور الانتقالى لدولة الوحدة، وقاطعوا الاستفتاء الخاص به فى مايو 1991 باعتبار أنه دستور علمانى، قبلوا المشاركة فى أول انتخابات برلمانية فى 27 أبريل 1993 بمقتضى الدستور نفسه، الذى رفضوه فى السابق، ليصبح الإخوان شريكا فى حكومة ائتلافية ثلاثية، وتشكلت خريطة سياسية جديدة بخروج الاشتراكيين إلى المعارضة وصعود الإخوان كقوة ثانية، لكن لم تلبث تلك الأوضاع أن تبدلت عندما انشغلوا بجنى مكاسب السلطة، للحصول على امتيازات قيادية والاستئثار بالمناصب، فانخفضت شعبيتهم فى انتخابات 1997، بأغلبية مريحة لحزب الرئيس صالح، الذى شكل الحكومة منفردا. وأدت أحداث 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب إلى مخاض جديد شهده تجمع الإصلاح، الذى اتخذ إجراءات حسن نوايا وإعادة تحسين الصورة داخليا وخارجيا عبر إقصاء القيادات المتشددة وبروز ما عرف بالليبراليين داخل الإخوان، الذين تحالفوا مع اليساريين والقوميين ليصبحوا الآن الحزب رقم واحد فى تكتل المعارضة، وليقدموا أنفسهم من خلاله كطرف يقبل بالآخر وبالحوار مع الغرب سواء الأمريكى أو الأوروبى، وإن رأى بعض المراقبين فى ذلك مجرد تكتيك مرحلى. وإذا كانت آخر انتخابات برلمانية أجريت فى اليمن فى أبريل 2003 قد شهدت مزيدا من التراجع فى حجم الإخوان، فإنهم وخلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة فى سبتمبر2006 قد دخلوا مع حلفائهم فى مواجهة صريحة وشرسة ضد الرئيس صالح وفى تحدٍ هو الأول من نوعه بين إخوان اليمن وحاكمه، عبر دعمهم ووقوفهم وراء منافس الرئيس صالح ووزير النفط الأسبق فيصل بن شملان.