" السيسية" نسبة إلى عبدالفتاح السيسي الجنرال السابق الذي صار رئيسا، وينتظر التنصيب الرسمي بين يوم وآخر، والمرحلة ستأخذ عنوان المرحلة السيسية، لكن ما هو عمرها؟، هل تكتمل بأربع سنوات كما ينص الدستور، أم تقل عن ذلك؟، أم تمتد لفترة أخرى؟، الله أعلم ، فالشعب المصري هو صاحب القرار ، وقد صار التنبؤ بسكونه، أو انفجاره، برضاه أو بغضبه، أمر مستحيل حتى على أعتى المحللين ، والسيسي نفسه رجل المخابرات البارع في تحليل المعلومات وتقديرات المواقف واستشراف المستقبل لم ينجح في فك لغز المصريين في أهم شأن يخصه طوال حياته وهو انتخابه رئيسا، فقد راهن، بل بنى حساباته على خروج ما يزيد على 40 مليونا للتصويت له، لكن جاءت المفاجأة وهي عدم الإقبال المتوقع، وحتى رقم ال 25 مليونا الذين صوتوا بعد المد ليوم ثالث، ومنح الموظفين إجازة، والإغراءات والتهديدات وشحذ وشحن الإعلام للناس بل استعطافهم، والحديث بأن النزول هو لمصر وليس للسيسي ولا صباحي، هذا الرقم هناك من يعتبره غير واقعي وليس دقيقا وأن المصوتين أقل من ذلك، وعلى العموم صار هذا الشعب عصيا على الطي، أو الكسر، أو التأميم لمصلحة أي كان، وأنا شخصيا أشعر بالدهشة مما يحدث في بلادي، فرغم أن السيسي تم إظهاره كأسطورة تتفوق على عبدالناصر، لكن الشعب يقول في انتخابات الرئاسة شيئا آخر من خلال رسالة الانتخابات ، عكس ماكنت أتصور ومعي كثيرون، والرسالة تعري مجددا نمطا إعلاميا نخبويا عفا عليه الزمن في صناعة زعامات، وتكشف مدى الابتعاد بين واقع الشاشات، وواقع الناس، وأكثر تجارة رابحة في مصر هي تجارة الشعارات، وتسويق الخداع والتضليل، لكنها صارت تبور بعد أن كانت تنفد سريعا من قبل. هذا شعب ليس كتلة واحدة صماء، إنما شعوب، وكتل متعددة، لها مواقف وخيارات متنوعة خصوصا بعد استنهاض الوعي في 25 يناير، وهذا ما يجب أن يتحسب السيسي له وهو يجهز خطابه الأول، ويجهز فريقه الرئاسي، وفريقه الحكومي. الإخوان وحلفاؤهم كتلة، وهم أعلنوا أنهم سيقاطعون، لكن ظهر أن هناك كتلا أخرى تحتاج بحثا ودراسة أعطت الانتخابات ظهرها، بما يعني أنها ترفض السيسي وحمدين صباحي معا، وبمعنى أشمل ترفض ذلك التخبط الذي يسيطر على المشهد منذ ثورة يناير، ومن بين من يرفضونهم أو يتحفظون عليهم من جاؤوا بعد 3 يوليو بشعارات إنهاء التخبط، ووضع العربة على السكة الصحيحة، لكنهم شيئا فشيئا دخلوا في تخبط جديد، وكأنه صار مرضا مصريا في زمن الثورات. كان السيسي مطمئنا إلى دعم الداخل، إنما عينه على الخارج حيث أراد توجيه رسالة قوية له بأنه مفوض شعبيا وبشكل غير مسبوق ليس منذ قرار 3 يوليو، وما تلاه، إنما التفويض يصل محطته الأهم باعتلاء سدة الحكم محمولا على أعناق الشعب، وبالتالي يتم نهائيا نسخ شرعية مرسي ونظامه لتنفتح كل الأبواب أمامه، لكن أتصور أنه الآن بات مطالبا بإعادة ترتيب حساباته وخططه وأفكاره في إطار تلك المتغيرات الجديدة التي كانت كامنة تحت السطح وظهرت بشكل مزعج له ولمعسكره هذا إذا كان يريد النجاح في مهمته، فلن ينجح بسياسات مابعد 3 يوليو التي تحتاج مراجعة جذرية في العهد السيسي. وكما ثبت أن مرسي لم يستطع النجاح والعمل في ظل معارضة تواصلت طوال عهده، فإن السيسي لن ينجح أيضا في العمل والإنجاز في ظل نفس المعارضة والموجودة فعليا منذ 3 يوليو وستتواصل معه، وهي ليست هينة، ولا يجب التقليل من شأنها، بل ستُضاف إليها معارضات أخرى لا تسير في سكة واحدة، إنما في سكك منفصلة، لكنها كلها تلتقي في هدف واحد وهو عدم الرضا عن الواقع. اعترف بأنني لم أفهم بعد طبيعة ومزاجية الشعب في هذه المرحلة، وربما عذري أنني بعيد عن واقعه المعاش، فقد عارضت المقاطعين، وقلت لن يكون لهم أثر، وكان ظني أنهم الإخوان فقط، لكن ثبت أن هناك آخرين أهم من الإخوان لأنهم بلا مصلحة سياسية في سلطة، ولم يدخلوا في صراع لاستعادتها، إنما هم مواطنون مسالمون غير راضين عن مجمل الأوضاع، ولا مضمون الخطاب السيسي، ولا مسار البلاد، وهناك خشية منهم في تحولات جديدة ناحية الاستبداد، وهو ما كان يُفترض أن يكون قد انتهى بسقوط مبارك، هؤلاء المواطنون لا يدعمون الإخوان في نهجهم، إنما هم تمردوا على عصير الليمون حتى وإن بدا أن أهدافهم تتفق مع هدف الإخوان، فالوطن ومصالحه وحق الاعتراض القوي أهم من أي استثمار مؤقت لموقف مشترك. إذن السيسي في مأزق ، فضعف التصويت أحرجه، ولم يعد الأمر اليوم هو الفوز، إنما مابعد الفوز، كيف سيحكم وقد وضحت علامات الأزمة السياسية والمجتمعية والاقتصادية شديدة الخطورة، فلا ننسى أن شريحة غاضبة على سوء أحوالها المعيشية لم تجد معنى للتصويت بعد أن غازل المصريين باللبن والعسل، ثم حينما جاءت ساعة الحقيقة قال لهم إن الوضع صعب جدا جدا. لا يجب على السلطة أن تضحك على نفسها وتستخدم المَكياج السياسي في تبرير ما يجري، هناك أزمة بينها وبين قطاعات من الشعب لأسباب مختلفة، لذلك لا يجب أن تواصل التحجج بالإخوان، وبحرب الإرهاب ، الأزمة أكبر من شماعة الإخوان. مرة أخرى، خرج المصريون من سجن الخوف، ولن يعودوا إليه مرة أخرى. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.