كان يتمتع بدرجة كبيرة من المثابرة ودائمًا ما يرى الجانب الأفضل في كل شيء، وقال ذات مرة: «إن استطعنا فعل كل ما باستطاعتنا فعله فسوف نذهل أنفسنا»، وقد أطلقت عليه مجلة لايف لقب رجل الألفية الأول، وبلغ عدد مخترعاته أرقامًا مذهلة بلغت ألفا وثلاثين وتسعين اختراعًا، وله من براءات الاختراع ما يفوق أي شخص آخر في العالم، حيث كان وعلى مدار خمسة وستين عامًا متتالية يمنح براءة اختراع سنويًا، كما يرجع إليه الفضل في تطوير معامل الأبحاث، كما هي اليوم في شكلها العصري.. إنه المخترع الشهير «توماس إديسون» الذي من مثابرته أن قام بعشرة آلاف محاولة حتى يكتشف المادة المناسبة لصناعة المصباح الكهربائي، فلم يكن ينظر لتلك المحاولات على أنها محاولات فاشلة، بل كان واثقًا أن مثابرته ستمكنه من اكتشاف المادة المناسبة، ويمكن قياس إيمانه بأهمية المثابرة من خلال مقولته التالية: «إن الكثير من حالات الفشل حدثت لأن الناس لم يدركوا حين قرروا الاستسلام كم كانوا قريبين من النجاح». وربما كان أكثر ما يبين لنا تفاؤله الذي يمده بالمثابرة هو الكيفية التي تعامل بها مع تلك المأساة التي أصابته، وهو في أواخر الستينات من العمر، حيث كان قد بني في ولاية نيوجرسي معملا هائلا مكونا من أربعة عشر مبنى، وكان المبنى الرئيسي لوحده يفوق في حجمه حجم ملعب كرة القدم، وصار هذا المعمل نموذجًا لمعمل الأبحاث والتصنيع الحديث، وكان يطلق عليه اسم مصنع المخترعات، وكان ذا شهرة عالمية، ومنه كان يقوم هو وفريقه بابتكار المخترعات وبناء النماذج الأولية لها. لقد أحب هذا المكان وكان يقضي فيه كل لحظة ممكنة، بل إنه كان غالبًا ما ينام على كنبة هناك، وفي أحد أيام شهر ديسمبر في عام 1914 شبت نيران في معمله العظيم، وبينما هو يحترق كان «إديسون» يقف أمامه يشاهد النيران تأكله فنقل عنه أنه قال: «أحضروا أمهاتكم أيها الأطفال، فلن ترى نار بهذه الشدة بعد اليوم». حادث كهذا كفيل بتحطيم معظم الناس لكن ليس هو، لقد قال بعد هذه المأساة: «إنني في السابعة والستين من العمر الآن، ولكني لم أشخ لدرجة تعجزني عن البدء من جديد، لقد مررت بأشياء كثيرة مشابهة لهذا». وبالفعل قام بإعادة بناء معمله ثم واصل العمل لسبعة عشر عاما بعدها وقد قال: «إن عقلي مليء بالأفكار لكن ليس أمامي سوى وقت بسيط، أتوقع أن أموت عن عمر يناهز المئة عام». وقد مات عن أربعة وثمانين عامًا. يرجع الكثير من الناس قدرة «إديسون» الخارقة على الاختراع إلى عبقريته، بينما كان يرجعها هو إلى العمل الجاد والمثابرة الدائمة، حيث كان دائما يقول: «إن العبقرية تسعة وتسعون بالمئة منها جهد وواحد بالمئة إلهام». إن المثابرة هي المفتاح السري للرقي والعمود الفقري للنجاح، وما من شخصية عبر التاريخ استطاعت أن ترتقي وتحقق إنجازات متميزة كبرى في أي مجال إلا كانت متصفة بها، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أهمية المثابرة كأساس من أسس النجاح للناس عموما وللقادة خصوصًا، وإن من أكبر أسباب الفشل سرعة اليأس والتوقف عن مواصلة العمل عند مواجهة المعوقات والأخطاء، إن الاستسلام واليأس وافتقاد روح المثابة لا يلتقي أبدًا مع النجاح والفوز والرفعة. أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا وفي السنوات الأولى للدعوة الإسلامية كان النبي، عليه السلام، ومعه الرعيل الأول يلقون في سبيل نشر دعوتهم العنت والضيق والأذى الكبير، والنبي مع ذلك يثابر ويصابر حاملًا رسالته في كل نادٍ، ولما نفذ صبر قريش عليه جاؤوا إلى عمه أبي طالب يشكونه ويهددونه، فناده عمه وقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا، فابق يا ابن أخي علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، عندها شعر النبي، عليه السلام، من ذلك القول إن عمه سيسلمه لأعدائه أو أنه ضعف أمامهم فوقف عليه السلام متجلدًا ومثابرًا، وقال قولته المشهورة: يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه، فقال أبو طالب: يا ابن أخي اذهب فو الله لا أسلمك لشيء أبدًا. أكاديمى وكاتب قطرى [email protected] http://twitter.com/AlThani_Faisal