اكتشفت شركة هواتف نيويورك منذ عدة أعوام أن عليها أن تتعامل مع واحد من أسوأ العملاء الذي كان يسب ويلعن مندوب خدمة العملاء، ويثور ويهدد بتمزيق أسلاك الهاتف من جذورها، وكان يرفض أن يدفع رسومًا للشركة لأنها في رأيه رسوم صورية تؤخذ مقابل خدمات سيئة، وكتب خطابات للصحف، ورفع شكاوى لا حصر لها للجنة الخدمات العامة، كما رفع عدة قضايا ضد شركة الهواتف، وسنطلق على هذا العميل اسمًا افتراضيًا هو «السيد جون». وفي النهاية قررت شركة الهواتف إرسال أحد أمهر معالجي المشكلات لمقابلة «جون» لأجل حل المشاكل التي يثيرها، بداية استمع المندوب لهذا وتركه يستمتع بإطلاق ما لديه من سباب وشتائم للشركة ويفرغ كل الشحنة التي في نفسه عليها، وكان المندوب يستمع إلى كل ذلك وهو يقول: «نعم» ويبدو متعاطفًا مع شكواه. يقول مندوب الشركة: «استمر «جون» يتحدث وهو غاضب قرابة ثلاث ساعات، ثم عدت إليه واستمعت إليه أكثر، وقد قابلته أربع مرات وقبل نهاية الزيارة الرابعة كنت قد أصبحت من الأعضاء المؤسسين لمنظمة كان سينشئها، وأسماها «جمعية وقاية مشتركي الهواتف» وإلى الآن ما زلت العضو الوحيد في العالم فيها بالإضافة إلى السيد «جون». لقد استمعت إليه وتعاطفت معه في كل النقاط التي أثارها خلال زياراتي، ولم يكن هناك أي مندوب هواتف من قبل قد تحدث إليه بهذا الأسلوب، ومع الوقت أصبح لطيفًا إلى حد كبير. وأما الموضوع الذي ذهبت إليه من أجله فلم أذكره لا في الزيارة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة، ولكن في الزيارة الرابعة كنت قد حسمت أمري وتحدثت بالموضوع معه، فقام الرجل بدفع الفواتير كاملة عن طيب خاطر، ولأول مرة في تاريخ مشاكله مع شركة الهواتف قام طواعية بسحب شكواه من لجنة الخدمات. ومما لا شك فيه أن السيد «جون» كان يعتبر نفسه بطلًا يدافع عن حقوق العامة ضد الاستغلال البشع، ولكن في حقيقة الأمر ما كان يريده هذا الرجل بالفعل هو الشعور بالأهمية، فهناك صوت عميق في داخله يقول: نحن هنا وقد حاول أن يحقق هذا الشعور في البداية بالشكوى والتذمر، ولكن بمجرد أن حصل على هذا الشعور من مندوب الشركة فإن كل شكاواه قد تبخرت في الهواء. إننا جميعًا نحتاج إلى الشعور بأهميتنا وكما قيل: إن حاجة الإنسان للمدح والثناء وتقدير جهوده مستمرة ما استمرت به الحياة مثل الأكل والشرب؛ ولذلك فإن الخطأ القاتل في علاقاتنا مع الناس في العمل ومع الأصدقاء وحتى في الأسرة مع الزوجة والأبناء، عدم إشعار الطرف الآخر بأهميته وإحساسهم أننا نستخف بهم ولا نعطيهم اهتمامًا كافيًا، والأكيد أنه لا أحد يستطيع السير في رحلة الحياة وحيدًا فأهم مكون في معادلة النجاح -كما يقول «روزفلت»-: «معرفة كيفية تحقيق التوافق والانسجام مع الناس». إن تكوين علاقات إيجابية يمكن أن يمثل تحديًا؛ لأن التعامل مع الناس من أكبر المشاكل التي تواجهنا في حياتنا، ففي إحدى الدراسات ثبت أنه حتى في أوساط الفنيين مثل المهندسين، فإن %15 فقط من نجاح الشخص يرجع إلى معرفته الفنية، بينما 85 %الباقية ترجع إلى المهارة في العلاقات الإنسانية، أي يرجع النجاح إلى فن التعامل مع الناس. إن العلاقة الطيبة مع الناس ليست مجرد غطاء للزينة فوق الكعكة في الحياة إنما هي الكعكة نفسها، بل إنه من المستحيل أن يوجد قائد لا يملك أي مهارات تواصل متميزة مع الناس؛ لأن القيادة في أساسها هي القدرة على كسب الناس وحسن التعامل معهم، وهي مهارة مكتسبة يمكن تعلمها وتطويرها بالدورات والقراءة وغيرها. ولذلك نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما علم أن أبا سفيان رجل يحب الفخر أعطاه هذا الشعور بالاهتمام والتقدير فقال: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)، فلما تفرق الناس من حول الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين إذ بأبي سفيان -وهو الذي حارب النبي ودينه قرابة عقدين من الزمن- من أقرب الناس إليه في المعركة يقاتل العدو بجانبه ويفديه بنفسه. أكاديمى وكاتب قطرى [email protected] http://twitter.com/AlThani_Faisal