لو رأيتها ربما لم يكن انطباعك الأول عنها هو الاحترام؛ لأنها لم تكن امرأة ذات مظهر جذاب؛ فطولها لا يتجاوز الخمس أقدام إلا قليلًا، وهي في نهاية الثلاثين من العمر، وذات بشرة بنية داكنة ولم تكن تقرأ أو تكتب، وكانت الملابس التي ترتديها خشنة وبالية، وعندما تبتسم كان يظهر بوضوح أن ثنيَّتيْها ساقطتان. كانت تعمل في معظم الوقت في وظائف الخدمة في فنادق صغيرة: تمسح الأرضيات، وترتب الغرف، وتطهو. ولكن في ربيع وخريف كل عام تقريبًا كانت تختفي من مكان وظيفتها وتعود مفلسة وتبدأ العمل مرة أخرى لتجمع أي قدر صغير تستطيع جمعه من المال. قد لا يحترم كثير من الناس امرأة مثل هذه ولكن هناك أكثر من ثلاثمئة إنسان كانوا يرزحون في قيود العبودية تبعوها بالهروب من جنوبالولاياتالمتحدة إلى شمالها في سبيل الحرية. لقد أدرك هؤلاء قيمتها واحترموا قدرتها وكذلك فعل كل مناهض للعبودية في نيو إنجلاند ويرجع ذلك لما تمتلكه من رباطة جأش تُمِدها بالشجاعة والثبات في المواقف الصعبة ولما تمتلكه من الصلابة النفسية التي تعطيها القوة لتحمل الضغوط الكبيرة وتدفعها لاقتحام المغامرات الخطيرة. كان هذا العام هو 1857 وكان اسم المرأة «هاريت توبمان» غير أنها عندما كانت في الثلاثينيات أصبحت تسمى المحررة بسبب قدرتها على دخول أرض العبودية وإخراج العديد من أفراد قومها من قيود الرق. وفي سن الرابعة والعشرين تحدثت مع زوجها عن الفرار إلى الحرية في الشمال، ولكنه لم يكن ينصت إليها وهددها إن هي حاولت الرحيل فسيعرف كيف يعيدها. ولكنها كانت تقول: «هناك واحد من شيئين لي الحق فيهما: الحرية أو الموت. فإذا لم أحصل على الأول فسأحصل على الأخير، فلن يتمكن إنسان من الإمساك بي حية وسأُقاتل من أجل حريتي طالما كنت أتمتع بالقوة». ورغم أنها أصبحت هي نفسها حرة فقد تعهدت بالعمل على تحرير من يريد ذلك من قومها مع أن مجرد اتخاذ قرار فرار الشخص بمفرده يعتبر شيئًا خطيرًا يعرض صاحبه لصنوف التعذيب التي قد تنتهي بالموت فكيف بقرار الفرار بالآخرين وتحريرهم؛ فهو قرار يحتاج لقوة قلب ورباطة جأش ومع ذلك اتخذته «توبمان» وفي عام 1850 قامت بأول رحلة باعتبارها عضوًا ناشطًا في شبكة تقوم بمساعدة الراغبين في الحرية. كانت في كل صيف وشتاء تعمل كخادمة لجمع المال الذي يخدم هدفها وفي كل ربيع وخريف تخاطر بحياتها بالذهاب جنوبًا والعودة بمزيد من العبيد إلى الحرية. كان عملها شديد الخطورة بحق وكانت تعلم أن العبيد الفارين الذين يعودون ويتم الإمساك بهم سيتعرضون للضرب والتعذيب حتى يبوحوا بمعلومات عن أولئك الذين ساعدوهم؛ لذا فإنها لم تسمح أبدًا لأي شخص تقوده بالاستسلام فإذا رأت عبدًا مرتعد الفؤاد يريد الاستسلام تقف قوية كالفولاذ وتصوب مسدسًا نحو رأسه وتقول: «الموتى لا يروون القصص: إما أن تكمل الطريق وإما أن تموت». وبين عامي 1850 و1860، أرشدت «توبمان» أكثر من ثلاثمئة شخص وأخرجتهم من العبودية، ومنهم العديد من أفراد أسرتها. وفي ذلك الوقت وضع الجنوبيون البيض مكافأة بقيمة 12000 دولار مقابل الإمساك بها وهي ثروة ضخمة في ذلك الوقت. ومع بداية الحرب الأهلية كانت قد أخرجت من العبودية عددًا أكبر من الذي أخرجه أي أميركي آخر على مر التاريخ، سواء كان أسود أم أبيض ذكرًا أم أنثى. وبسبب قوة شخصيتها وصلابتها ورباطة جأشها في اللحظات الخطرة أصبحت «توبمان» ذات سمعة كبيرة وتأثير واسع يفرضان الاحترام ليس فقط بين العبيد الذين حلموا بكسب حريتهم بل عند الجميع. إن الشخصيات التي حققت إنجازات عظيمة ونجحت في الوصول لأهدافها في الحياة كانت تتميز بصفة مهمة تساعدها على مواجهة الأخطار وتحمل ضغوط الحياة الهائلة وتلك الصفة هي رباطة الجأش والصلابة النفسية ومن دونها ينهار عند أول اختبار صعب يواجهه فطبيعة الحياة أنها تواجهنا بالكثير من المواقف الصعبة والمشكلات العظيمة وتتقلب بين الشدة واليسر والغنى والفقر والمرض والصحة والضعف والقوة، وتلك الصفة تساعدنا لمقاومة تلك التقلبات، فإننا لن نستطيع تحمل صعوبات الحياة ومواجهة مكائد الخصوم والأعداء والصبر على مرارات الظروف الصعبة في سبيل تحقيق أهدافنا دون تحلينا برباطة الجأش والقوة النفسية من الداخل. يقول الشاعر: فإن تسأليني كيف أنتَ فإنّني صَبورٌ على ريْب الزمان صليبُ يعزّ عليَّ أن تُرى بي كآبةٌ فيَشمتُ باغ أو يساءُ حبيبُ وهذا رسول الله -عليه السلام- أثناء هجرته حينما كان مطاردًا من الكفار ليقتلوه وقد جعلوا مئة ناقة لمن يدل عليه وكان مختبئًا في الغار ومعه صاحبه أبو بكر الذي استشعر هول تلك اللحظة وخطرها فقال والله يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى نعله لرآنا، فقال النبي عليه السلام بكل رباطة جأشٍ وهدوء وثقة بربه: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؛ لا تحزن إن الله معنا. أكاديمى وكاتب قطرى [email protected] http://twitter.com/AlThani_Faisal