كنت أندهش كثيرا وأنا أستمع إلى بعض قيادات الإخوان الذين خرجوا من الجماعة بعد يأسهم من الإصلاح وهم يتحدثون عن عمليات التلاعب في الانتخابات وتوجيهها وآليات السيطرة على الجماعة ، أحدهم وهو رجل أعمال كبير وعضو سابق بمجلس شورى الجماعة قال لي حرفيا : لكي أقرب لك المسألة باختصار فانظر ماذا يفعل الحزب الوطني في الانتخابات النيابية ستجد الأمر عينه يحدث في انتخابات الإخوان الداخلية؟! ، وكان من أغرب ما ذكره لي أن رجالات التنظيم السري وصل بهم الاحتراف إلى حد إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية كما يفعل الوطني أحيانا بحيث يتم تقليص أصوات المناطق التي لا يحظى فيها هؤلاء بالثقل والنفوذ ، وتوزيع أصواتهم على مناطق أخرى أقل شأنا بكثير ولكن لأن فيها غالبية الأصوات الموالية لهم ، كما أن بعض قيادات الإخوان الرفيعة تحدثت عن ثقوب كثيرة في لوائح الجماعة ونظمها لا تسمح باستجلاء إرادة غالبية أبنائها أو تتيح حرية الاختيار ، ولا يمكن أن تفرز الصالح والأصلح ، ولعل بعض إشارات نائب المرشد المطاح به ، الدكتور محمد السيد حبيب ، واضحة في هذا الشأن ، لدرجة أنهم غضبوا منه عندما اعترض على أن يكون المرشد وهو رئيس مكتب الإرشاد اللجنة التنفيذية أو الحكومة الموازية هو في الوقت نفسه رئيس مجلس شورى الجماعة ، الذي من المفترض أن يراجع مجلس الإرشاد ويراقبه وأن ينتخب المجلس أيضا ، بمعنى أن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في قبضة واحدة ، إضافة إلى أن مكتب الإرشاد بالمقابل من حقه أن يعين خمس مجلس شورى الجماعة بقرار منه ، يعني الدائرة مغلقة لإحكام السيطرة ، ومن لا يعجبه يخبط رأسه في الحيط على حد تعبير نائب المرشد بعد الإطاحة به ، وهذا ما حدا ببعض قيادات الإخوان الساخطة مثل حامد الدفراوي إلى التأكيد على أن الانتخابات مزورة قال عبد المنعم أبو الفتوح أنها موجهة لا مزورة ، وهو نوع من التجميل اللفظي لحقيقة التزوير والحقيقة أن أزمة الشورى والديمقراطية والشفافية داخل الإخوان ليست وقفا عليهم ، وإنما هي أحد أوجه الأزمات البنيوية في الحركات الإسلامية العربية ، ربما لأنها جميعا خرجت من رحم الإخوان ، أو أنها عندما ولدت لم تجد أمامها إلا نموذج الإخوان ، فنسجت على منواله تنظيميا وإن فارقتها فكريا ، والمشكلة دائما أن العواطف تطغى على ضبط بنية الحركة ، واختطاف الحركة وأبنائها رهينة الخوف على وحدة الصف وحماية المنهج ونحو ذلك من الأدبيات الشائعة يسهل على الأجنحة المتشددة داخل التنظيمات مهمة إحكام سيطرتها على القيادة ، ومعظم كوارث الحركات الإسلامية نشأت من هذه الثغرة ، بطبيعة الحال انتهى الأمر الآن إلى بسط تيار التشدد والانغلاق سيطرته على مقاليد الجماعة ، ولا أتصور أن أيا من القيادات التي خرجت مؤخرا يمكنه التأثير من الخارج تنظيميا ، لأن القدرات المالية الضخمة التي يتحكم فيها المرشد ومكتب الإرشاد التي تتيح له الإنفاق برواتب منتظمة للمئات من المتفرغين ومكافآت لآخرين ودعم صحف ومجلات وأقلام وكتاب وسياسيين ونقابيين ومؤسسات متشعبة وغير ذلك تصنع شبكة من الروابط والمصالح يصعب التمرد عليها كما يصعب التأثير عليها أو منافستها من الخارج ، غير أن المؤكد أن الأحداث الأخيرة تركت آثارا سلبية يصعب أن تمحى في وجدان ووعي قطاعات عديدة من أبناء الجماعة ، بعضهم حرص على الاتصال بنا لتأكيد الغضب والاستياء من الانتخابات وما تم فيها ، ولعلها تكون فرصة للحركات الإسلامية العربية جميعها ، لفتح ملف المراجعات الفكرية والتنظيمية ، لإعادة صياغة دور ورسالة وأفكار ونظم وأدوات وبنية المشروع الإسلامي في المرحلة المقبلة . [email protected]