بالله عليك اصبر على طول المقال و لغته لو وجدتها ثقيلة.. فنحن أصدقاء.. وخذ بالنصيحة في آخره.. ويا عم الحاج: دعك من السياسة, ودعك من سفاهات الكلام, فجُّلُه عبث, وغايته أنه مجرد "كلام ابن عم حديت"... يا عم الحاج اغسل أذنيك جيدًا, وانضح على وجهك ماء طهورًا من عرق أبيات سيد شعراء القرن, و أمير القوافي.. تأهب.. واخشع.. وقل: الله يرحمك يا مولانا أحمد شوقي ويجعل مثواك الجنة, يا نجم النجوم الزاهرة في سماء عواصم الشرق, ويا شمس القاهرة.. المهم يا سيدي الفاضل.. وأنا أتابع مؤتمر القمة الإسلامية, وجدتني أغرد من هاتفي على"تويتر", وأتساءل: هل من بين الزعماء الحاضرين من يحفظ بيت شوقي: ضجت عليك مآذنٌ و منابرٌ// وبكت عليك ممالكٌ ونَواحِ؟ مدح شوقي القائد التركي مصطفى كمال أتاتورك, لقدراته العسكرية.. ثم أسقط أتاتورك الخلافة, فصرخ شوقي.. بكى طويلًا.. فأبكانا.. قال كلامًا من ذهب يقطر دمعًا ذهبيًا, على الخلافة الذهبية.. تخيل العالم الإسلامي أن انقلاب أتاتورك عُرسًا, يُعيد القوة لدولة الخلافة.. ولم يكن أحدٌ يتخيل أن يوم الزفاف هو يوم الذبح: عادت أغاني العرس رجع نُواحِ/ ونُعيت بين معالم الأفراحِ// كُفِنْتِ في ليل الزفاف بثوبه/ و دُفنتِ عند تبلج الإصباحِ// الله يرحمك يا سيدنا شوقي, ويجعل مثواك الجنة, وأنت تخاطب الخلافة كأنها عروس دفنوها في ثوب زفافها.. والزفاف صار مأتمًا لكل العواصم.. صارت كل مئذنة علامة على سرادق عزاء, وكل منبر فوقه واعظ يبكي الفقيدة.. كل مملكة.. مع أن بعض الممالك تآمرت على دولة الخلافة.. وكل ناحية, مع أن بعض النواحي غرزت خنجرها في جنب الفقيدة.. الكل هالع مفجوع موجوع: ضَجَّت عَلَيكِ مَآذِنٌ وَمَنابِرٌ/ وَبَكَت عَلَيكَ مَمالِكٌ وَنَواحِ // الهِندُ والِهَةٌ وَمِصرُ حَزينَةٌ / تَبكي عَلَيكِ بِمَدمَعٍ سَحّاحِ // وَالشامُ تَسأَلُ وَالعِراقُ وَفارِسٌ/ أَمَحا مِنَ الأَرضِ الخِلافَةَ ماحِ // يا الله, هل محا من الأرض الخلافة ماحٍ؟.. محاها بلا ذنب.. بلا خطيئة.. وكل من تثقله الخطايا رماها بحجر.. صارت كل جمعة مأتمًا.. وكل اجتماع للندب والعويل: وَأَتَت لَكِ الجُمَعُ الجَلائِلُ مَأتَمًا/ فَقَعَدنَ فيهِ مَقاعِدَ الأَنواحِ // يا لَلرِجالِ لَحُرَّةٍ ْمَوْءُودَةٍ/ قُتِلَت بِغَيرِ جَريرَةٍ وَجُناحِ // شوقي غيور, والغيرة يعرفها الرجال, الغيرة قلادة على صدور الرجال الحقيقيين.. لا أشباه الرجال الخائنين, شوقي يغار, وأنا أغار وأنت تغار.. وكيف لا نغار على العروة الوثقى, التي ما إن تمزقت., حتى تمزقنا وتشتتنا وأصبحنا كأننا لم نُصبح, وأمسينا وكأننا أموات: نَزَعوا عَنِ الأَعناقِ خَيرَ قِلادَةٍ/ وَنَضَوا عَنِ الأَعطافِ خَيرَ وِشاحِ // حَسَبٌ أَتى طولُ اللَيالي دونَهُ / قَد طاحَ بَينَ عَشِيَّةٍ وَصَباحِ // وَعَلاقَةٌ فُصِمَت عُرى أَسبابِها / كانَت أَبَرَّ عَلائِقِ الأَرواحِ // من فعل هذا؟ فعلها مصطفى كمال, الذي صار أتاتورك, يعني أبا الأتراك.. وكأن شوقي يتصدر مشيخة الأزهر, فها هو يُصدر الفتوى الجريئة بتكفير أتاتورك.. ربما لم يسبق شوقي أحدٌ من الشعراء في التكفير, ويكفيه في ميزان ذهب الرجال فتواه بالتكفير: بَكَتِ الصَلاةُ وَتِلكَ فِتنَةُ عابِثٍ / بِالشَرعِ عِربيدِ القَضاءِ وَقاحِ // أَفتى خُزَعبِلَةً وَقالَ ضَلالَةً/ وَأَتى بِكُفرٍ في البِلادِ بَواحِ // أأَقولُ مَن أَحيا الجَماعَةَ مُلحِدٌ/ وَأَقولُ مَن رَدَّ الحُقوقَ إِباحي// لقد أسقط أتاتورك الخلافة, ذبح تلك التي كانت عروستنا على مر الأزمان, لم يكفه ذلك, بل هجّر البشر, ونقض الحجر, ونقل العاصمة, فبدلًا من إسطنبول, جعلها أنقرة: نَقَلَ الشَرائِعَ وَالعَقائِدَ وَالقُرى / وَ الناسَ نَقْلَ كَتائِبٍ في الساحِ // القصيدة كلها لله.. لنصرة دينه.. للذود عن حرماته.. هذا هو الشاعر,هذا هو سيدنا أمير الشعراء, ليس هناك دافع من وراء قصيدته غير الدفاع عن الخلافة.. تلك الخلافة.. التي عرفت شوقي دائمًا أول ذائد عنها و أول غيور عليها.. إنه الإخلاص والتجرد, والنصيحة الخالصة لوجه الله: مَن قائِلٌ لِلمُسلِمينَ مَقالَةً/ لَم يوحِها غَيرَ النَصيحَةِ واحِ // عَهدُ الخِلافَةِ فِيَّ أَوَّلُ ذائِدٍ/ عَن حَوضِها بِبَراعَةٍ نَضّاحِ // حُبٌّ لِذاتِ اللهِ كانَ وَلَم يَزَلْ / وَهَوًى لِذاتِ الحَقِّ وَالإِصلاحِ // إِنّي أَنا المِصباحُ لَستُ بِضائِعٍ / حَتّى أَكونَ فَراشَةَ المِصباحِ // هل رأيت كيف يكون الصحفي والمذيع والشاعر والكاتب هو مصباح الهدى.. مصباح التنوير الحقيقي, في أمة تحتاج لدليل.. إن شوقي هو المصباح.. وهو على استعداد أن يضحي بنفسه من أجل تلك الخلافة.. أن يصير كفراشة الضوء... والدين هو القوة.. ولا دين بغير قوة وسلاح من علم وجيوش وأخلاق: لا تَبذُلوا بُرَدَ النَبِيِّ لِعاجِزٍ / عُزُلٍ يُدافِعُ دونَهُ بِالراحِ // و ماذا ننتظر بعد سقوط الخلافة؟ ماذا توقع شوقي.. وسبحان الله, إن من الشعر لحكمة.. فكل ما توقعه شوقي حدث.. دعاة على أبواب نار تلظى.. مذاهب لا حق فيها...عقول واهية تشعر بالضعف والهزيمة.. فتتوه يمينًا وشمالًا: فَلتَسمَعُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ داعِيًا /يَدعو إِلى الكَذّابِ أَو لِسَجاحِ // وَلتَشهَدُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ فِتنَةً / فيها يُباعُ الدينُ بَيعَ سَماحِ // صدق شوقي.. فالشام تبكي والعراق حزين ومصر موجوعة.. والهند والهة: ضجت عليك مآذن و منابر/ وبكت عليك ممالك ونواحِ// و بعد., فكم زعيم ممن حضر القمة, يعرف بقصيدة شوقي؟... أو يعرف حتى بيتًا واحدًا لشوقي؟... رحم الله شوقي.. ورحمكم الله, فابحثوا عن القصيدة.. أنا سأضعها على صفحتي.. اِطبعوها.. وحفظوها أبناءكم... الأطفال خير من يحمل الأمل... وحتى لا يضيع التاريخ.. فربما... وربما.. بل الأكيد أنها ستعود بقدر الله... الله يرحمك يا سيدنا شوقي. twitter.com/mmowafi [email protected]