قد تكون صورة “أم الدنيا” هذه الايام: انتظار وقلق وتوجس. انتظار ماذا؟ عهد جديد بأدوات عمل جديدة. قلق وتوجس من ماذا؟ من ان يؤدي الانتقال من المرحلة الانتقالية الصعبة الراهنة الى مرحلة انتقالية أخرى أكثر صعوبة. وهذا سبب أكثر من كاف لجعل مصر تأرق خلال الليل، وتموج بالتوتر خلال النهار. هذا سبب أيضا لجعلها تكاد تنضب من مخزونها من النكات. وهذه ظاهرة خطرة التقطها هيرودوتس قبل ثلاثة آلاف سنة، حين قال انه “حين تتوقف مصر عن الضحك، فهذه ستكون علامة من علامات نهاية العالم”. الكل في مصر يتحدث هذه الايام عن التغيير. لكن الكل أيضاً لا يعرف وجهته، أو ما إذا كان حقيقياً او تجميلياً. والكل هنا تعني الكل : الموالاة كما المعارضة. القادة كما “الجماهير”. أمريكا كما أوروبا. وهذا ربما ما دفع مجلة “إيكونوميست” الرزينة إلى القول مؤخراً أن “ثمة شيئا يغلي الان في مصر، لكن لا أحد يعرف ما هو”. المفكر الاسلامي حسن حنفي اقترح مؤخراً تفسيراً جميلاً لما يجري: “مصر تتوق الان الى استعادة دورها وتأدية رسالتها. الليبرالي فيها يحن الى العصر الليبرالي في النصف الاول من القرن العشرين. والقومي فيها يحن الى الناصرية في النصف الثاني منه. والاسلامي يحن الى عصر الخلافة الراشدة. الكل يحن الى مصر الماضية بعد ان أجهض حلم مصر الحاضرة وغابت رؤية مصر المستقبل”. الحنين مهم بالطبع. لكن الاهم هو العمل للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي والثقافي والايديولوجي الراهن. وهذا الخروج يحتاج الى ثورة (ليس حتماً دموية). والثورة تحتاج الى ثوريين. فهل ثمة ثوريون بما يكفي في مصر هذه الايام؟ فلننتظر قليلا لنر. لكن، وخلال مرحلة الانتظار هذه، قد تكون لكلمات بوش (ولو لمرة!) بعض الصدقية: ضرورة قيادة مصر للمنطقة على طريق الديموقراطية. إذ ان هذا لن ينقذ المنطقة العربية فحسب، بل سينقذ مصر نفسها أولا وأساسا، وسيخرجها من كآبة المرحلة الانتقالية الراهنة الى رحاب المرحلة التغييرية المقبلة. بيد أن هذا كله يشترط بالطبع الا تكون كل تمخضات التغيير في مصر الآن، مجرد “حمل كاذب”. وهذا التطور لا يعتمد على “الولاّدة” المصرية وحدها، بل أيضاً على الدور الكبير والدقيق للقابلة القانونية الدولية التي تشرف الآن على هذه التمخضات. ----- صحيفة الخليج الاماراتية في 5 -7 -2005