احتدم الصراع الثقافى بين التيار الجمهورى والأرثوذكسى فى عهد بسمارك (مستشار الرايخ الألماني)، وتحديدًا بعد أن بدأ البطريرك بيوس التاسع، قائد التيار الأرثوذكسي، بحشر أتباعه وكل المؤسسات الكنسية القائمة حوله، لمقاومة المستحدثات والتوجهات الجمهورية، بسياسات رجعية معارضة لها، من أهم أهدافها، تثبيت تصور المرجعية الصليبية - غير المرغوب بها جماهيريًا – على أرض القارة الأوروبية، والحفاظ على مصالح مؤسسته ونفوذها فى ساحاتها السياسية.. سياسات لا تخدم حاجات شعوب القارة فى شىء، وأسوأ من ذلك معارضة ومناهضة لتوجهاتها، وإرادتها ومصالحها. لعل أشهر السياسات الرجعية التى تبناها البطريرك لمقاومة تيار التغيير السابق ذكره، غرس الطائفية فى نفوس أتباعه، وكما ذكرنا سابقًا، جمع كل الكنائس الكاثوليكية للقارة على سياساته. سياسة اشتهرت باسم "الأَلترامونتانيزم" (Ultramontanism). فى حق المنهاج الطائفي، أقر البطريرك عام 1862م دوجما (الدوجما تشريع كنسى وجب طاعته وعدم الاختلاف على صحته، باللاتينى Dogma)، سمّاها "المعصومية" (Infallibility Dogma). مفادها، أنه كأعلى ممثل للكنيسة الرومية معصوم من الخطأ. تشريع غير عقلاني، برره فى بيانه "سيلابوس" بقناعته أن عقول العباد لا يمكنها أن تدرك ما يدركه "المختارون من السماء"، مما يوجب عليهم النزول طوعًا على أمره، فكل ما يصدر عنه – بحد زعمه - خير مطلق لهم. تصور مخالف لتعاليم نبى الإسلام، الذى قال: "كل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، و"لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق". أى لا أحد معصوم من الخطأ.. للدوجما السابق ذكرها، والرؤية غير السوية عن التبعية والعقلانية المرتبطة بها، لاقى البطريرك دوليًا استنكارًا واستهزاءً واسعًا من كل القوى الشعبية العقلانية.. بما فيها القوى المحافظة الصليبية، المفكرة، غير الرجعية.. ولا عجب فى ذلك، فالإقرار إلى جانب استخفافه وتسفيهه لعقل الإنسان، تقليل من شأن العوام. ... هذا ما كان عن الطائفية. أما ما يخص سياسة "الأَولترامونتانيزم" (Ultramontanism)، فلعل خير سبيل لإيضاحها يكون من خلال تحليل الكلمة. كلمة "أَولترامونتانيزم" كلمة لاتينية تعنى ما وراء الجبال؛ المقصود بها الفاتيكان، الذى كان – ولا يزال - يسعى من مقره الكائن خلف جبال الألب على جمع كل كنائسه والمؤسسات الأرثوذكسية القائمة فى أوروبا على نهجه وتصوره. من معان ذلك، توحيد تلك المؤسسات على سياساته، فإلزامها بالعمل بها، فبما يملى عليها، وإن كانت مخالفة للسياسات الوطنية القائمة لديها.. فلا اعتبار واجب لها حينئذ – بحد زعمه الذى أفاده البطريرك بيوس فى بيانه "سيلابوس". مما أذيع عن البطريرك فى زمانه لآرائه وسياساته، أنه فقد رشاده. لعل ما يدعم تلك الرؤية، الطلب المقدم منه إلى مستشار الرايخ الألمانى بسمارك، الذى دعاه فيه إلى تسريح كل موظف فى سلك التربية والتعليم من الخدمة، مثبوت عليه ممارسة النقد فى حق الكنيسة أو ما يصدر عنها. لقد كانت دعوة صريحة للهرطقة الثقافية والاجتماعية المعروفة لتلك المؤسسة، وللأسف عند عموم الكنائس الصليبية إلى حاضرنا. يحضرنى فى ذلك حادثة دير الأنبا مقار، التى تم فيها جمع وحرق كل كتب الأب "متى" المسكين فى فناء الدير، وكذلك موقف الكنيسة من الصحفى الراحل موسى صبري، التى منعت مسؤوليها الصلاة على جثمانه. الأمر الذى كتب عنه الصحفى إبراهيم منير حنا، التالي: "... وكأن البابا – يقصد به شنودة الثالث - يعلن أن قد تسلطن وتملك الكنيسة بمن فيها من بشر أحياء.. وهو يملك أجسادهم الميتة عندما تكون أرواحهم بين يدى الله!! (نقلاً عن مقاله "سقط.. سلطنة الظلم.. ديكتاتورية البابا). السؤال الواجب طرحه هنا فى شأن دعوة البطريرك السابق ذكرها، ماذا كان موقف بسمارك – المحافظ لا الليبرالى – منها؟ أأذعن له ليرضيه؟.. طبعًا لا.. فخلافًا لحسنى مبارك، المجرم المخلوع، والأحزاب المدعاة ب"الليبرالية" و"القومية"، التى تواطأت معه على الحقوق الشرعية الطبيعية للسيدة وفاء قسطنطين، إرضاءً لبطريرك الكنيسة المرقسية، شنودة الثالث، الذى دعى إلى ذلك، اعتبر بسمارك دعوة البطريرك بيوس التاسع تعدياً سافراً منه على الشرعية الدستورية للرايخ الألماني، وأهم من ذلك على حقوق مواطنيه الطبيعية. يقول بعض المؤرخين إن ذلك الحدث كان الشعرة التى قصمت ظهر البعير وساءت العلاقة بين بسمارك - مستشار ألمانيا - والكنيسة الأرثوذكسية. فى ذكرى وفاء قسطنطين، أسأل النائب العام هنا: أين كنت من جريمة خطفها وأسرها؟ .. ترك السيد الرئيس محمد مرسى النائب العام يشغل منصبه بدلاً من فصله فصلاً تعسفيًا بقرار جمهورى وباسم الشرعية الثورية وجب إعادة النظر فى شأنه. كذلك موقف الإخوان المسلمين وعموم الأحزاب الوطنية من مسؤولى المؤسسة الكنسية التى "تحتفل" بذكرى ماسبيرو.. ذكرى قتل جندنا وترويع مواطنينا، الذى يصوره الإعلام الدولى الرجعى المتحالف معها بعدوان على من يسمونهم "الأقليات القبطية"، أمر وجب إعادة النظر فى شأنه أيضًا. لا بد فى عهد ما بعد الثورة أن نتخلى من سياسة التراضى والأقطاب التى كانت قائمة فى عهد الظلمات، فنصب همنا فى إحقاق العدل والمساواة على أرضنا، كما يحدث فى المجتمعات المتقدمة. عن نفسى، لن أهنئ الكنيسة الأرثوذكسية "القبطية" على اختيار بطريرك لها. سأصبر على حال مصر حتى يقام على أرضه العدل، فيتم تحرير أسراها، ومحاكمة المجرم الذى تخرج من عندها، فشهدناه عند ماسبيرو فى صحبة بلطجية يروع مواطنينا ويقاتل جندنا. لا بد من حقن دماء ثوارنا وجندنا الذين قتلوا فى الثورة، ومراجعة موقف الكنيسة القبطية منها ومن أحداث ماسبيرو، فالتحقيق معها عما إذا كان هناك ربط قائم بينها وبين القس المجرم الذى كان يقودها.. كأن ينتسب إليها أم لا. لو ثبت أن الآخر ذكره متحقق، وجب حل تلك المؤسسة. هكذا فعلت الحكومة الألمانية مع إحدى الجماعات السلفية (اسمها ملة إبراهيم) منذ شهور حفاظًا على أمنها واستقرار شؤونها. ... وللحديث بقية. [email protected]