فى مقالين سابقين، فى 2 و16 سبتمبر، تناولت قضية الوعى المجتمعى، كأساس لتنمية الولاء الوطنى، وكلاهما دعامة رئيسية فى تحقيق الأمن القومى، وقلت فى نهاية المقال الثانى إن الولاء الوطنى يدفع الأفراد إلى المشاركة الفعالة فى بناء وتطوير وطنهم فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويصل الأمر إلى تنمية روح الحماية والدفاع عن ذلك الوطن والاستعداد للتضحية فى سبيله ضد أى تهديدات وتحديات سواء داخلية أو خارجية، ومن ثَمَّ فالولاء الوطنى والأمن القومى وجهان لعملة واحدة تؤكد أن الإنسان هو الثروة الحقيقية، وللحفاظ عليه والعمل على تنمية وعيه، تقع المسؤولية على الجميع سواء المؤسسات الرسمية أو المجتمع المدنى أو المواطن نفسه. وإلى جانب ما وردنى من ملاحظات مكتوبة حول ما كتبت فى مقالى الأول، والتى أشرت إليها فى مقالى الثانى فى 16 سبتمبر، فهناك ملاحظات شفوية ضمنية قالها أصحابها ممن علقوا على المقالين، وأحاول إيجازها فى هذا المقال، وكلها صادرة من شخصيات وطنية مصرية تتطلع إلى مستقبل أفضل لمصر والمصريين. يتفقون على أن الوعى يخلق الولاء الوطنى، ولكنهم يرون أيضًا أن الولاء يتعاظم إذا راعينا أمورًا أخرى لا تقل أهمية عن موضوع الوعى المجتمعى، يقولون مثلًا إن الولاء الوطنى حتمًا سيتعاظم لدى مَن يعرف أكثر عن تاريخ البلاد وجغرافيتها، خاصة أن التهديدات التى مرت بها، ووردت فى تاريخها، كانت ناتجة عن حساسية موقعها جغرافيًّا، وتوسُّطها دول العالم، ووقوعها على مسار حركة التجارة العالمية، ولذلك فهم مندهشون من اتجاه أصبح ينادى به البعض، وينطوى على الإقلال من الجرعات التى يتلقاها طلابنا فى كل منهما. البعض يتحدث أيضًا عن معاناة الشباب فى البحث عن فرص العمل المناسبة، ويتطلعون إلى برامج اقتصادية وإنتاجية قوية لمضاعفة فرص العمل، وإلى أن تكون المفاضلة دائمًا على أساس الخبرة والكفاءة والتفوق لأن إعمال أى معايير أخرى تنطوى على أى من مظاهر الواسطة والمحسوبية يُفقدنا الاستفادة من الكفاءات الأفضل، ويُفقد هؤلاء الشباب الثقة فى مبدأ تكافؤ الفرص، الذى يجب أن يكون الأساس فى كسب ولاء هؤلاء الشباب للوطن، ويقولون أيضًا إن موضوع تكافؤ الفرص لا يأتى فقط فى مجال العمل والتوظيف، ولكنه فى مجالات متعددة، منها إسناد الأعمال إلى الشركات والكيانات، وتخصيص الأراضى، وتلقى الخدمات الحكومية دون تفرقة أو تفضيل لفئات على غيرها. إن الولاء الوطنى سيتعاظم حال استمرار وتعظيم الاهتمام بمحدودى الدخل، وكبار السن، والسيدات، والفئات الأكثر هشاشة، من حيث الخدمات فى الإسكان والمواصلات، وتوفير الدعم العينى والنقدى، والرعاية الصحية الأساسية، وهو ما يدعم ولاء فئات تتطلع إلى وطن حاضن للجميع، ومناصر للفئات الأشد ضعفًا فيه، وهى فئات تعانى حاليًا انفلاتًا فى الأسعار وزيادة فى التضخم، وقد أثر ذلك بوضوح على قدرتها على تحمل تبعات كل ذلك والوفاء بالتزاماتها الأساسية التى تُبقيها على قيد الحياة الكريمة. ويقول البعض إن الولاء الوطنى سيترسخ أكثر فى ظل مناخ أرحب لتداول المعلومات، وفتح قنوات التواصل بين أفراد المجتمع ومؤسساته على كافة مستوياتها فى ظل قوانين تدعم حرية الرأى والتعبير المسؤول فيما يخص قضايا الشأن العام. ولا يرتاح البعض للمناخ، الذى أفرز مفاهيم جديدة فى التميز الاجتماعى على أساس الثروة، أيًّا كان مصدرها، ولا بمظاهر التباهى، التى تستفز أبناء الطبقة الوسطى، التى أسهمت دائمًا فى حفظ الاستقرار وتقدم البلد، أو تلك الأنماط الجديدة من مطربى المهرجانات، وكل مظاهر الترويج الفج لحفلاتهم الصاخبة، وسياراتهم الفارهة، وسلوكهم المستفز، رغم خلفياتهم التعليمية المحدودة، وأن كل ذلك لا يدعم قضية الولاء الوطنى الذى نسعى إليه. الخلاصة هى أن الولاء الوطنى هو الأساس فى استقرار وضمان الأمن القومى للبلاد، وإلى جانب البرامج والسياسات، التى من شأنها تنمية الوعى المجتمعى وصولًا إلى الولاء الوطنى المنشود، فهناك متطلبات بديهية أخرى لا تقل عنها أهمية، وقد أشار المقال إلى أمثلة منها.. حفظ الله مصر.