يُقاس النجاح فى تنمية الوعى المجتمعى بمدى فاعليته فى ترسيخ الولاء الوطنى عند أبناء الوطن الواحد، وهذا الولاء يُعد إحدى أهم دعائم الحفاظ على الأمن القومى، وقد تناولت فى مقالى السابق بتاريخ 2 سبتمبر 2024، أثر تنمية الوعى الاجتماعى على الأمن القومى، ولذلك ينبغى أن أشير هنا إلى أهمية تحقيق هذه الحلقة الوسيطة، المتمثلة فى ترجمة هذا الوعى المجتمعى إلى الولاء الوطنى، وهو من أسس الأمن القومى المصرى، وهو ما سوف أعود إليه فى نهاية هذا المقال، وأذكر مجددًا أن الوعى المجتمعى يتمثل فى الفهم الصحيح، والتفاعل الشامل للأفراد مع قضايا المجتمع وتحدياته، والوعى بالأمور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التى تؤثر على المجتمع بشكل عام، وبما فى ذلك الحقوق والواجبات والقيم الاجتماعية شريطة أن يكون وعيًا مستندًا على كل معانى الولاء والانتماء. وقد وردتنى العديد من التعليقات، التى تشير فى مجملها إلى أهمية ما أثرته فى مقالى السابق، والتى أكدت حقيقة أن الوعى المجتمعى للمواطن المصرى، وحرصه على الأمن القومى، يظهران تلقائيًّا عند الشدائد، واستوقفهم ما ورد فى المقال عن التغير فى الشخصية المصرية، وأنها أضحت أشد ميلًا إلى العنف، وزادت حدة السخرية عندها، وأصبحت لاذعة وقاسية، وارتفع معدل التعصب خلال عملية التعبير عن الرأى والاندفاع دون فهم واضح للحقائق، وممن راسلونى كان الدكتور حامد عيد، أستاذ العلوم بجامعة القاهرة، والذى أكد أن بناء الوعى المجتمعى ليس مفيدًا فحسب، بل ضرورة لحماية مستقبل البلاد، فى حين أن الدكتورة نجوى خليل، أستاذ علم الاجتماع، وزيرة التضامن الاجتماعى سابقًا، أشارت فى تعليقها إلى أهمية دراسة التغييرات التى أصابت الشخصية المصرية فى العقدين الماضيين، والتى تؤثر على قضية الوعى المجتمعى، وإلى أن المركز القومى للبحوث الاجتماعية، الذى سبق أن كانت رئيسة له، بصدد عقد مؤتمر قومى فى شهر ديسمبر القادم فى هذا الشأن، فى حين أشار الدكتور سعد نصار، أستاذ الاقتصاد الزراعى، المحافظ السابق، والذى يشغل أيضًا منصب نائب رئيس المجمع العلمى المصرى، إلى الدعوة التى وجهها المجمع العلمى إلى الدكتور أحمد زايد، رئيس مكتبة الإسكندرية، عالِم الاجتماع السياسى المعروف، لإعداد دراسة وافية عن تغير الشخصية المصرية، تترجم نتائجها فى محاضرة ضمن فعاليات المجمع العلمى هذا العام، ويشير اللواء أبوبكر الجندى، الوزير، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء سابقًا، إلى أن درجة الثقة بين المجتمع والسلطة تنعكس تلقائيًّا على قضايا الأمن القومى، خاصة المُلِحّة منها، وفى حالة إيجابية هذه العلاقة، يشعر المجتمع أن له دورًا فى اتخاذ القرارات، وأنه جزء مهم من المعادلة، وأن السلطة تحترم الرأى العام ولا تتجاهله. أما الدكتور فتحى الشرقاوى، أستاذ علم النفس، نائب رئيس جامعة عين شمس الأسبق، فله ملاحظات مهمة استأذنته فى أن أنقلها- ببعض التصرف- إلى القراء حيث يقول:..لا شك أن وعى الأفراد بقضايا مجتمعهم أمر تحرص عليه كل القيادات فى الدولة، وذلك ببساطة لأن الوعى المجتمعى يُعد بمثابة المرآة العاكسة لمدى قدرة تلك السلطة على تحقيق أهدافها المنوط بها تحقيقها، ويخطئ البعض عندما ينظرون إلى مصطلح الوعى المجتمعى بأنه فطرى مغروس بداخلهم، ومكمن الخطأ هنا أنه بقدر العطاء الصادر من السلطة للمواطن فى صورة الخدمات المقدمة له بقدر وجود ونشأة الوعى أو عدمه لديه، إذن المعادلة العلمية لدراسة الوعى المجتمعى لابد أن تتطرق بدورها إلى دراسة قطبى المعادلة دراسة مستفيضة تنطوى على تحديد الأثر والتأثير المتبادل (سلطة/ مواطن)، ويشير إلى أن معظم الباحثين فى المجتمعات الشرقية الذين يتناولون هذا الموضوع غالبًا ما يركزون جل اهتمامهم على سمات الوعى لدى المواطن، من قبيل ولائه واهتمامه ومشاركته فى القضايا العامة، دون محاولة للنفاذ إلى البيئة الخاصة بالنظام، الذى يملك بحكم طبيعته إصدار القرارات ومتابعتها وتنفيذها. وعودة إلى قضية الولاء الوطنى بوصفه هو المرحلة الوسيطة ما بين النجاح فى تنمية الوعى المجتمعى والحفاظ على الأمن القومى المصرى، فيُعرف اللواء ياسين طاهر، الباحث فى الشؤون الاستراتيجية والأمن القومى، فى مقدمة بحثه المنشور فى يوليو 2024 فى مجلة الأمن والاستراتيجية، الولاء الوطنى بأنه الشعور العميق بالتعلق بالوطن والتفانى فى خدمته، والحفاظ على مقدراته ومصالحه من خلال التفاعل مع ثقافة المجتمع وتراثه مع الانفتاح على التنوع واحترام وتقدير الآخرين مع الوفاء للوطن والالتزام بمصالحه وقيمه التى تتمثل فى النزاهة والشرف لإعلاء راية الوطن، ولذا فإن الولاء الوطنى يدفع الأفراد إلى المشاركة الفعالة فى بناء وتطوير وطنهم فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويصل الأمر إلى تنمية روح الحماية والدفاع عن ذلك الوطن والاستعداد للتضحية فى سبيله ضد أى تهديدات وتحديات سواء داخلية أو خارجية، ومن ثَمَّ فالولاء الوطنى والأمن القومى وجهان لعملة واحدة تؤكد أن الإنسان هو الثروة الحقيقية، وللحفاظ عليه والعمل على تنمية وعيه، تقع المسؤولية على الجميع سواء المؤسسات الرسمية أو المجتمع المدنى أو المواطن نفسه.. حفظ الله مصر.