أزمة مالية واقتصادية طاحنة، وركود اقتصادى، وعجز قياسى فى الميزانية الأمريكية، وتراجع فى ملفات الرعاية الصحية والتأمين على الأمريكيين، وتهديد العديد من الصناعات الأمريكية باغلاق أبوابها فى ظل تراجع قدرتها على المنافسة، ونسب بطالة تتفاقم شهريا، هذه هى التركة الاقتصادية التى تركها الرئيس جورج بوش لخلفه باراك أوباما. ويعتبر خبراء الاقتصاد أن الرئيس الأمريكى جورج بوش حقق «معجزة اقتصادية» من خلال تبديده لما يزيد على 500 مليار دولار فائض حققها الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون للميزانية الأمريكية، وتحقيقه عجزاً يفوق ال1000 مليار (ترليون) دولار خلال ال8 سنوات التى قضاها فى البيت الأبيض، وذلك من خلال حربى العراق وأفغانستان، والعديد من السياسات الاقتصادية التى أصابت الاقتصاد الأمريكى بالإنهاك. وجاء أبرز الانتقادات للسياسة الاقتصادية لبوش من المدير السابق للمصرف الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، آلان جرينسبان، واتهمه بأنه تسلم مدفوعات الدولة دون مسؤولية وساهم فى تراكم عجز الميزانية، مضيفا أن امتناع بوش عن التلويح بحق النقض «الفيتو» ضد المشروعات التى كانت تتطلب اعتمادات كبيرة ومصاريف باهظة سبب له «إحباطاً كبيراً». ولاشك أن مجموعة من الأرقام التى تعبر عن الاقتصاد الأمريكى تعبر عن مدى فشل سياسات جورج بوش الاقتصدية، وتأتى فى الصدارة العجز فى الموازنة، وزيادة نسبة النفقات العسكرية من الناتج القومى إلى ما يقارب 8% منه، ووصول عدد الفقراء الأمريكيين إلى 40 مليون شخص، وارتفاع نسبة البطالة خلال الأشهر الأخيرة حوالى 1%، فضلا عن استمرار الاقتصاد فى خسارة المزيد من الوظائف. وحول منظومة التأمين الصحى، أكد مكتب الإحصاء الأمريكى أن 47 مليون شخص فى الولاياتالمتحدة لم يشملهم التأمين الصحى، وقالت منظمة عائلية أمريكية إن حوالى 90 مليون شخص دون سن ال65 لم يغطهم التأمين الصحى طوال الفترة من 2006 – 2007، كما أن ما يزيد على 10 ملايين شاب أعمارهم 19 -29 سنة لم يشملهم أيضا التأمين الصحى. وجاءت أزمة الرهن العقارى التى شهدتها الولاياتالمتحدة خلال الأشهر ال4 الأخيرة لتشكل «الطامة الكبرى» فى سجل إدارة بوش الاقتصادى، حيث جرفت الاقتصاد الأمريكى والعالمى إلى المجهول، وانهار القطاع المالى فى الولاياتالمتحدة، وبقى العديد من القطاعات مثل السيارات والتكنولوجيا مهددة بتراجع كبير، حتى إن بعض شركات السيارات قررت الاكتفاء بالإنتاج شهرا وتعطيله آخر. وسيجد أوباما نفسه أمام اقتصاد دخل بالفعل فى دوامة الركود والانكماش، والأخطر من ذلك أمام مستهلك ومستثمر تراجعت ثقته فى اقتصاد بلده وفى السياسات المتبعة لإدارته، وذلك فى وقت أصبح فيه الكثير من المحليين الاقتصاديين يؤكدون تراجع هيمنة الاقتصاد الأمريكى على نظيره العالمى، فى ظل التراجع المتوقع لمعدلات النمو الأمريكية، ورغبة الكثير من الدول الأوروبية والنامية فى فصل ارتباط اقتصادياتها بالاقتصاد الأمريكى للحد من أضرار العلاقة الوثيقة به. وسيجد أوباما نفسه خلال المرحلة الأولى على الأقل مضطرا لبذل الجهود لإقناع أوروبا وبعض الدول النامية مثل الصين والهند والبرازيل بتبنى سياسات موحدة لمواجهة الأزمة المالية، نظرا لتبنى كل تلك الدول سياسات ترغب من خلالها فى النجاة بنفسها من الأزمة الاقتصادية، وتشكيك هذه الدول فى الإدارة الأمريكية للأزمة، التى تسببت فيها واشنطن. والمعضلة التى سيواجهها أوباما هنا أنه فى ظل الركود المتوقع سيكون عليه أن يتخذ سياسات بدعم بعض الصناعات فى الداخل، وهو ما ستجده الدول الأخرى متعارضا مع مصالحها ومؤثرا على قدرة منتجاتها على المنافسة فى ظل الانكماش الاقتصادى، وهو ما قد يتسبب فى نشوب حروب تجارية بين الولاياتالمتحدة وأوروبا. ويتضح أن أوباما سيجد نفسه فى الاقتصاد فى مأزق شديد بين ضرورة التعاون مع الدول الخارجية للتخلص من المأزق الاقتصادى الحالى وبين رغبته المؤكدة فى الوفاء بوعوده لمنح الاستقرار للاقتصاد الوطني، لاسيما فى ظل ما كشفت عنه استطلاعات الرأى أن 62% من الأمريكيين يضعون الاقتصاد فى مقدمة أولويات أوباما مع بداية العهد الجديد