فى الشهر الماضى لم يُقتل جنود أمريكيون فى العراق. وتراجع معدل البطالة قليلا، وأنهت بورصة الأسهم العام بارتفاع، ولم ينْهَر النظام المالى، كما أخذت الشركات الثلاث الكبرى فى ديترويت تتعافى ومع ذلك بدأ اجماع يتشكل على أن باراك أوباما الذى هو إما مسئول عن هذه الأمور الجيدة أو كان على رأسها فحسب فاشل. والأكثر من ذلك، أن هذا الاجماع مدعوم بالأرقام. وأظهرت استطلاعات الرأى وفقا لتقارير مؤسسة راسموسن ريبورتس تراجع معدلات شعبية الرئيس نقطتين فى ديسمبر، بينما زادت الأصوات الرافضة له نقطة. وقد بدأ أوباما عام 2009 حائزا على قبول قوى من 43٪ من الأمريكيين لأدائه، بينما أنهى العام و26٪ فقط يشعرون نحوه هذا الشعور. ووفقا لأى مقياس لهذه الاستطلاعات، لم يكن العام جيدا بالنسبة لأوباما. فمن اليسار يتعرض الرئيس لهجوم بسبب تشريعات الرعاية الصحية التى لا تتضمن خيارا عاما، ولم ترسل بمسئولى التأمينات إلى جوانتانامو. ومن اليمين، يتعرض للهجوم بسبب إضفاء سمة اشتراكية على الاقتصاد، وإنشاء محاكم الموت (عبر تخفيض تكلفة الرعاية الصحية لكبار السن وأصحاب الأمراض المستعصية) والسماح للنيجيريين المهووسين بحشو ملابسهم الداخلية بالمتفجرات والطيران إلى ديترويت المسالمة. وفى السياسة الخارجية، خيَّب أوباما آمال مشجعيه من اليسار بسبب تصعيد الحرب فى أفغانستان، ومن اليمين بسبب عدم تصعيدها على نحو كاف. ولايزال معتقل جوانتانامو الذى تعهد بإغلاقه مفتوحا. كما أيد حقوق الشواذ جنسيا، ولكنه سحب تعهده بإلغاء قانون طرد المثليين والمثليات من الخدمة العسكرية. فهو يتردد ويراوغ. التغيير! الأمل! ولكن ليس هناك تغيير كبير، وليس هناك الكثير من الأمل. يرى البعض أن موقفه ضعيف فيما يتعلق بالبيئة، لكنه قوى جدا فى رأى البعض الآخر. فهو يبدى مظهرا مخادعا يتسم بالغموض. وهو يتشاور كثيرا مع حلفائنا، وينحنى عندما ينبغى أن ينتفض، كما أنه لم يجلب السلام إلى الشرق الأوسط، تماما مثله مثل جورج دبليو بوش، كما تذكرون. يعتبر الكثير من هذا النقد غبيا. فلو نجح الحزب الجمهورى فى الانتخابات لكانت البلاد الآن قد انحدرت إلى نظام المقايضة، ووصل معدل البطالة إلى ما يزيد على 25 فى المائة. فالأمر ببساطة هو أنه لا يوجد برنامج اقتصادى للحزب الجمهورى، وحتى جورج دبليو بوش يعرف ذلك. وعندما وصلت الأمور إلى مرحلة حرجة، تخلى عن أيديولوجيته، واستخدم أموال الحكومة لإنقاذ المؤسسات المالية. لكن السبب فى بدء تصاعد انتقادات الحزب الجمهورى أن أوباما يمكن أن يتحول إلى أى شىء يريده منتقدوه. فهو رجل ضعيف من صلصال أيديولوجى، ترك للآخرين تشكيل صورته. وليس لديه خطا أساسيا ثابتا. ولا يرجع ذلك إلى أنه ليس شخصا جيدا أو ذكيا، بل إلى كونه يفتقر إلى كل من الأيديولوجية فى عالم سياسى يحكمه أصحاب الحناجر الأيديولوجية القوية. ويواجه البيت الأبيض مشكلة سياسية كبرى. فالسنة الأولى لأوباما لم تكن سيئة، ومع ذلك شعر بالمعاناة. وتنذر السنة المقبلة أن تكون أسوأ. فمن المتوقع أن ترتفع أعداد الوفيات فى أفغانستان، وتتفاقم مشكلة البطالة. وسوف يزداد الدين العام، وسوف تتعرض حكومات الولايات والبلديات فى جميع أنحاء البلاد للإفلاس، وتلجأ إلى واشنطن من أجل المساعدة. كما ستضطرم البلاد بالغضب، والسيد رابط الجأش فى البيت الأبيض لا يرقى إلى مستوى دردشات روزفلت بجوار المدفأة.. فقد وُلِد ليكون مدوِنًا. يحب الصحفيون الاعتقاد أنهم إذا حصلوا على انتقادات من كل من الجانبين فإنهم بالضرورة يفعلون الشىء الصواب. وهذا ليس صحيحا فى رأى الصحفيين فربما فهموا القصة خطأ وهو بالتأكيد ليس صحيحا فى رأى الشخصيات السياسية. وفى حالة أوباما، فمن سوء حظه أن يكون زعيما بلا قضية. فهو يريد قانونا للرعاية الصحية. لماذا؟.. ربما لتغطية من لا يتمتعون بغطاء التأمين الصحى.. وربما لكبح جماح شركات التأمين.. وربما لتخفيض التكاليف.. الأهم هو الحصول على مشروع قانون، أى مشروع قانون. وهذه ليست قضية. بل هى مجرد نقطة بسيطة على الطريق. ويمكن أن يكون أوباما رئيسا عظيما. فقد حقق الكثير بالفعل ربما إنقاذ البلاد من الخراب المالى، وربما إنقاذ صناعة السيارات. ربما، وربما.. غير أن أرقام شعبيته تنخفض بينما ترتفع إنجازاته. فهو البطل الشعبى جونى أبلسيد صاحب التنافر المعرفى المنعزل تماما إلى حد أنه عندما يفوز يبدو أنه يفوز لمصلحته فحسب. فاستطلاعات الرأى تقيس أداءه، بينما الشعراء يصفونه. الأمر الذى أدركه قديما الشاعر الأيرلندى الكبير وليام بتلر ييتس، عندما قال: «يفتقد أفضل الناس إلى مظاهر الإقناع بينما أسوأهم مفعمون بحدة العاطفة». Washington Post Writers group