عن رواية «نساء بلا رجال» التى صدرت عام 1989 للكاتبة الإيرانية المقيمة فى الولاياتالمتحدة «شهرنوش باريسبور»، وأثارت جدلا كبيرا لأنها تبحث فى تاريخ المرأة الإيرانية وفق العديد من الأحداث السياسية، قدمت المخرجة الإيرانية «شيريين نشأت» فيلمها بالاسم نفسه الذى عرض مؤخرا فى الدورة 66 لمهرجان «فينسيا» السينمائى الدولى، وحصل على جائزة أفضل إخراج رغم اختلاف النقاد حول مستواه الفنى، وانتقاد بعضهم له بأن بناءه مزعج وغامض، لدرجة أن رئيس لجنة تحكيم المسابقة الدولية للمهرجان المخرج «أنج لى» صرح فى مؤتمر صحفى عقب منح الجوائز أن الفيلم بعيد عن أن يكون كاملا، لكن نظرته وطرحه كانا مؤثرين، وأنه عرف منه واقع المرأة فى إيران، وأن مخرجته قدمت صورا يمكن أن تحل مشكلة قائمة مع الحاضر وتساعد على التفكير، وأضاف «أنج لى»: رغم أن الفيلم هو عمل أول لمخرجته إلا أننى أحببته منذ البداية ودافعت عنه أمام لجنة تحكيم المهرجان التى وافقتنى الرأى. وأرجع بعض النقاد فوز الفيلم بالجائزة الفضية إلى الصبغة السياسية التى تلونت بها دورة المهرجان هذا العام، حيث عرضت الكثير من الأعمال السياسية، كما أن الفيلم ينتقد بشكل غير مباشر الأحداث الأخيرة فى إيران من قمع واضطرابات واغتيالات أعقبت فوز الرئيس محمود أحمدى نجاد بفترة رئاسة ثانية. ينتمى الفيلم - الذى قضت مخرجته 6 سنوات لإعداده - إلى الأعمال السياسية التى تحوى نقدا لاذعا للمجتمع الإيرانى على مدى فترات طويلة مر بها، وتحمل إسقاطا كبيرا على الأحداث والتغيرات الأخيرة التى شهدها، رغم تناوله فترات سابقة فى التاريخ الإيرانى، حيث تدور الرواية المأخوذ عنها الفيلم بالاسم نفسه حول أربع نساء من طبقات اجتماعية مختلفة تبحثن عن ملجأ يمنحهن الحرية من القمع الذى تعانين منه فى إيران، وكانت مؤلفة الرواية قد اعتقلت مرتين بسبب تناولها للعذرية فى أعمالها وهو من المحظورات فى إيران. وتتناول المخرجة فى الفيلم الذى تم تصويره فى المغرب فكرة جذور الصراع السياسى فى خمسينيات القرن الماضى، والذى قاد إيران إلى ما هى عليه اليوم، وقيّد دور المرأة التى جعلت منها المخرجة موضوعا محوريا تعود إليه باستمرار كلما استغرقها الحديث عن السياسة خاصة حين تتحدث عن ثورة 1953 التى أطاحت بحكومة رئيس الوزراء الإيرانى محمد مصدق بسبب تدخل القوى الأجنبية فى شؤون البلاد، وممارسات المخابرات المركزية الأمريكية والبريطانية لتدعيم الانقلاب الذى أطاح بالثورة وأعاد نظام الشاه إلى السلطة، حيث تلمح إلى أن تلك الثورة كانت فرصة للنهوض بإيران الحديثة، لكن تم إجهاضها، ومعها أحلام كل تلك الفترة وخصوصا أحلام النساء الباحثات عن حرية اعتقدن لفترة ما أنها كانت ممكنة، كما تنتقل «شيريين» إلى ما بعد 30 عاما من ذلك التاريخ، حيث تتظاهر النساء والرجال جنبا إلى جنب ضد القمع الذى تمارسه السلطة الإيرانية. وتبرز «شيريين» افتقاد المرأة الإيرانية إلى الحرية وبحثها عنها أيا كانت وسيلة أو سبب القمع الذى يقهرها سواء كان زواج بلا حب أو العزلة التى تفرضها الأسر المحافظة والملتزمة دينيا أو الانجراف فى الدعارة، فإحدى النماذج «ميونيس» وهى الوحيدة التى تتابع ما يحدث من غليان فى الشارع الإيرانى تعانى من سطوة شقيقها الذى يحاول إجبارها على الزواج ممن لا تحب والبقاء فى المنزل، وترسم مخرجة الفيلم شخصية «ميونيس» لتكون قريبة من «ندا أغا سلطان» شهيدة الحجاب التى توفيت فى إيران الصيف الماضى فى مصادمات مع الشرطة، وهو ما تعلق عليه المخرجة : كلا الشخصيتين كانت لا علاقة لها بشكل ما مع الأحداث، لكن كلا منهما أصبحت رمزا لما حدث وللكفاح من أجل الديمقراطية. وتربط «شيريين» الأحداث التاريخية والواقعية فى الفيلم ببعض الخيال حيث تجتمع بطلاتها فى حديقة سرية بعيدة هربا بأحاسيسهن ورغباتهن، وتضيع معالم تلك الحديقة فى الضباب المحيط بها. ولم تفوت «شيريين» الفرصة للفت أنظار العالم إلى قضايا المرأة الإيرانية، ليس من خلال الفيلم الذى قدمته فقط، ولكن أيضا عند تسلمها جائزتها حيث قالت: أتوسل إلى حكومة إيران أن تعطى الشعب ما يحتاج إليه.. الحقوق الإنسانية الأساسية والحرية والديمقراطية، وأضافت: صورت فيلمى «من أجل جميع الإيرانيين، وأطالبكم بأن تصنعوا السلام مع الشعب الإيرانى، وفيلمى مهدى إلى ذكرى الذين فقدوا حيواتهم وهم يكافحون من أجل الحرية والديمقراطية فى إيران، بدءا من الثورة الدستورية فى عام 1906 وصولا إلى الحركة الخضراء فى عام 2009، كما ارتدت «شيريين» وأسرة فيلمها فساتين باللون الأخضر الذى أصبح رمزا لحركة الاحتجاجات الواسعة التى ملأت الشوارع الإيرانية عقب فوز نجاد. وفى حوار معها نشرته مجلة «cinemas» قالت: حقوق المرأة والمعارك من أجل الديمقراطية يسيران جنبا إلى جنب منذ الثورة الخضراء فى يونيو الماضى، وما حدث فى صيف 1953يشبه كثيرا ما حدث الصيف الماضى، وأعتقد فى أن هذا الفيلم يمثل كفاح إيران طوال تاريخها نحو الديمقراطية والحرية، ولقد تغير الناس كما تغير الديكتاتوريون فى أشكالهم وأساليبهم وإيديولوجياتهم ويبقى الكفاح مستمرا، والفيلم رسالة لكل من فى إيران حاليا والذين قد يفقد بعضهم الأمل لنقول لهم تشبثوا بالأمل وأننا سنحقق ما نريد ذات يوم. ووصف بعض النقاد الفيلم بأنه ثورة سينمائية خضراء – نسبة إلى الاحتجاجات الأخيرة فى المجتمع الإيرانى – ضد الكثير من مظاهر القمع وكبت الحريات خاصة بالنسبة للمرأة الإيرانية. الفيلم سيعرض خلال الفترة المقبلة فى عدد من الدول منها الولاياتالمتحدة التى تقيم بها مخرجته.