ذاعتْ شهرة المفكرالراحل الجليل بيومي قنديل في مجال الفكر خاصة التأصيل الثقافي لخصوصية الثقافة القومية لكل شعب، وهوما سجّله في كتابه «حاضرالثقافة في مصر- أربع طبعات علي نفقته الخاصة» هذا غيرمؤلفاته الأخري وترجماته. ولكن الجانب الذي يجهله كثيرون هومجال الإبداع، حيث كتب أكثر من مجموعة قصصية ورواية ودواين شعربالمصري وأكثر من مسرحية للكبار«مثل ثلاثية أوزير، إيزيس، حور» وأكثر من مسرحية للأطفال مثل «عصفورالجنة» وأخرجها المبدع محمد عبدالمعطي منذ عدة سنوات، وبعدها ترك مع نفس المخرج مسرحية للأطفال بعنوان «شمس الشموسة» ولأسباب مجهولة ظلّ النص في الأدراج. وبعد ثورة شعبنا في شهر طوبة/ يناير2011 تم الاتصال بأرملة المرحوم بيومي قنديل للتعاقد علي إخراج المسرحية التي يتم عرضها حالىًا بمسرح الطفل - ميدان حليم المتفرع من شارع 26يوليو خلف بنك فيصل ومن إخراج محمد عبدالمعطي وبطولة نهال عنبر وسامي عبدالحليم بنت آوي النص كتبه الراحل بيومي قنديل وطبعه علي نفقته الخاصة برقم إيداع 5783عام1992 ويبدأ بحوار بين بنت آوي التي تحب الظلام وتكره نورالشمس و«بيس» الذي يعشق الشمس ونورها. وعندما تُصر بنت آوي علي الاختباء قبل طلوع الشمس يقول لها بيس: «إجري دوّري لك علي جُحر» ثم يأتي المشهد التالي الذي يدوربين الملكة «شمس» وزوجها الملك «قمر» الذي يكره تحية «صباح الخير» لأنه يكره الشمس ويعشق ظلام الليل، ويتمادي في تعنته وتعصبه للقمر فيصدر أمرًا بإلغاء تحية الصباح بكل تجلياتها وتنوعها «صباح النور، صباح الفل، صباح القشطة، يسعد صباحك.. إلخ» لتكون التحية الوحيدة في كل نجوع وكفورالبلد هي «هل الهلال عليكم بس» ولكن الجوقة إرادة الشعب) تغني : سحريا سحرور/ حِل ضفايرالحور/ خللي النهاريطلع/ حليوة غندور.. وفي نهايتها تقول المجاميع : قرن الصبح طش طش/ والشمس الشموسة طِلعتْ ننوسة/ ربي يصون المحروسة.. تكبر تبقي عروسه. ثم تدخل ابنة الملك «شموسة» وتلقي تحية الصباح علي والدها فينزعج الملك ويخبرها بالأمر الصادربتحريم تحية الصباح وعندما تعترض شموسة، يعلل الملك رأيه بخطورة تعدد التحايا وأنّ تحية واحدة أفضل. وكي يعمّق المؤلف فكرته - وبشكل بسيط يتناسب مع سن الأطفال- فإنّ الملك يخبر ابنته أنّ اسمها الجديد هو«قمرالقموره» وعليها أنْ تنسي اسمها الحالي «شمس الشموسة» في المشهد التالي مباشرة نري «شموسة» مع صديقها «نور» وهو يلقي بسنّته في وجه الشمس وىُغني «يا شمس يا شموسة. يانونا ياننوسة. خدي سِنة العيال.. وهاتي سِنة الرجال» تتأزم حالة الملك النفسية بعد أنْ لمس حب الشعب للشمس «بيحبوها زي العبادة وزيادة» فيقول بيس «دا شيء طبيعي.. الشمس أصل الحياه وفروعها» فيرد الملك «الليل جميل.. أبوالضلمة والنوم والعافية» فيرد بيس «بس النهار أبوالشغل والهمة. أبوالبُنا والعرق»» لايقتنع الملك فينقذه الوزيرمستشارالسوء باقتراح بناء سور يسد نورالشمس. يفرح الملك بهذا الاقتراح ويأمرأنْ تُفتح خزائن مصرلبناء السور، فيهلل الوزراء وكل الحاشية. وتكون آيات النفاق في شكل هذه الأبيات التي تغني بها المنافقون : ياليل حوّد حدانا وبات.. شعاع الشمس مع السلامات.. ح نشبع نوم.. ننام مانقوم.. وناكل رز مع الملكات. هوب هوب في اللوحة التالية مباشرة نري العمال وهم يغنون أثناء العمل «هوب هوب.. حط التعب. نوب نوب.. طرح دهب.. واد ياعزب.. إيه يارجب.. مطلوب طلب. بردو حطب ولاّ خشب.. هات مسطرين..خد مسطرين»» ولكنهم في نهاية المشهد يفزعون فيقول أحدهم : ياه كل دي حيطة اللي بنيناها بإدينا.. ياه دي سدّتْ عين الشمس ياولاد. ثم ىُدركون أنهم بنوا سورًا عالىًا فينتهي المشهد بدعائهم أنْ ينهد السور. ولأنّ المؤلف تعمّد الربط الدرامي بين شخصية الملك الكاره للشمس وشخصية بنت آوي التي لاتعيش إلاّ في الظلام، جعلها تبدأ اللوحة التالية وهي تغني بسرور: الليل أهو هلْ والنهارأهو غار. وفي المشهد التالي يدورالحواربين الملك والوزيرالذي يلقي تحية : هل الهلال ثم يقول «شايف بحورالضلمة الجميلة يامولاي»» أراد الملك أنْ يعرف الوقت فقال الوزير إحنا الضهر وكان زماننا حاسين بالصهد والحر. فردّ بيس «الحر بيسوي البلح فوق الشجر. والصهد بيموت الجراثيم. والعرق بيرطب جلد اللي بيشتغلو»» وعندما يري الملك بعض الضوء يسأل عن السبب فردّ الوزير أنهم صنعوا قمرًا من ورق ودهنوه أصفر وعلقوه فوق السور. ورغم السورالذي حجب ضوء الشمس فإنّ الديوك مازالت تغني : إحنا الديوك.. بنقول كوك كوك.. لجل نِصَحي حتي الملوك. أما الأطفال فيغنون : يافجر فج وهل.. دا الليل طوّل. شأشأ يانور.. إلخ بعد بناء السورتُصاب الأميرة «شموسة» بعجز في ساقيها، كدلالة رمزية من المؤلف علي أهمية شعاع الشمس للكائنات الحية، خاصة لتمتعها بمادة اليود المؤثرة في صلابة وتكوين العظم. يستعين الوزراء بالأطباء، فنري لوحة ساخرة وممتعة وبها فكاهة مُحببة للأطفال إذْ يقترح الأطباء «نشر» ساق الأميرة حتي ترتاح من وجعها. تنزعج الملكة فينصحها بيس باللجوء إلي الحكيم «إيبور» الذي يعلن نقده لإلغاء تحايا الصباح المُتعدّدة. وينصح بأنّ علاج الأميرة يتوقف علي وجود شاب جسوريتطوع لإحضار صينية عائمة علي وش نهرالنيل.. نهر حابي العظيم. والصينية عليها حصار: التماسيح من تحت والنسورمن فوق. يتطوع نور صديق الأميرة ونجح في إحضارالصينية المنقوش عليها كتابة هيروغليفية. قرأ الحكيم الكتابة وبها النص التالي : اسمي «ميري رع» يعني محبوب الشمس. الصينية دي ندر واحد فلاح اسمه ميري رع . اللي ياكل من اللي فيها إنْ كان زعلان يروق. وإنْ كان تعبان يصحصح وإنْ كان عيان يخف. وعندما أراد الملك أنْ يمد يده للصينية، اشترط الحكيم عليه أنْ يسمي نفسه محبوب الشمس «ميري رع» وسألته الملكة عن الاسم المُفضل للبنت فقال «ميرت رع» محبوبة الشمس. أكلتْ شمس من الصينية فشُفيتْ. وطلب الشعب والفتي نور بإزالة السورفاستجاب الملك. وكانت الأغنية الأخيرة : يا ضلمة اتحتحي.. ياعتمة إزحزحي.. ياشمس إعلي إقدحي.. صبايا اتدردحي.. جناين فتحي. صاغ المرحوم بيومي قنديل دفاعه عن خصوصية ثقافتنا القومية- ومنها أننا شعب مُتعدد التحايا- وأنّ التحية الواحدة تعني الشمولية كما فعلت النازية. وأنّ المتعلمين الكبارالذين حرّموا صباح الخير، سىُهللون- لاقدّرَالله- لو أنّ إسرائيل احتلتْ مصر، وفرضتْ علينا «شالوم عليخم» بنت عم «سلاموعليكم» وكان البديل الفني في النص المسرحي «هل الهلال عليكم» والرد «وعيلكم هل الهلال» أما باقي محاورالنص فقد راعي فيها التوترالدرامي، بمفردات مناسبة للأطفال. روح النص التزم المخرج إلي حد كبير بروح النص وإنْ أغفل علاقة التشابه بين الملك المعادي للشمس وبنت آوي التي وضع المؤلف علي لسانها أكثرمن أغنية في تمجيد الظلام إذْ تقول : ليلي مملكتي. ياليلي آه يا أبوالديابة.. شايفاك وواخدة من عينيك السودة دليلي.. إلخ. أما الشاعرالجميل محمد كشيك الذي صاغ أشعارالعرض «بخلاف أشعارالنص» فكان واعيا بمفردات شعبنا وبأسلوب فني يلائم الصغار فنجح في تعميق هدف المؤلف. وكان كل من مُصمم الملابس والديكورعلي وعي بالتراث الحضاري لمصرالقديمة، فجاء تصميمهما مُتسقًا مع روح النص . أما مُصمم الرقصات فلم يكن موفقًا إذْ شاب الايقاع الارتجال، وقد يكون معه بعض العذرنظرًا لكثرة الأطفال المُشاركين في العرض . ورغم كل ذلك كان العرض مُمتعًا، وسمعتُ ضحكات الأطفال وتجاوبهم مع الممثلين الذين أبدعوا في أداء أدوارهم، فتحية لهم وللمخرج ولإدارة مسرح الطفل، التابع لوزارة الثقافة، برئاسة الأستاذة عزة لبيب التي تحمّستْ لهذا النص حتي رأي النور، وأتمني أنْ يراه كل أطفال شعبنا .