ظلت مسرحية شمس المحروسة تسع سنوات او أكثر حبيسة في أدراج الموظفين بالبيت الفني للمسرح تنتظر دورها لتري النور ومات مؤلفها بيومي قنديل دون أن يري ثمرة ابداعه علي خشبة المسرح. والحقيقة أننا لا نري سببا فنيا لحجب هذه المسرحية او تأجيلها طوال هذه السنوات رغم جمال الفكرة وبساطتها واقتراب المعالجة من شكل الحدوتة الشعبية.. تحكي المسرحية عن ملك طيب وكسول يحب الليل والهدوء ويزعجة ضوء الشمس ويقلق نومه.. ويقترح وزير الملك الفاسد اقامة جدار عملاق يحجب ضوء الشمس. ويتحمس الملك الساذج للفكرة ويشرع في تنفيذها.. وينفق المال والوقت من أجل اقامة حائط يمنع النور ويضر بصحة الناس ويؤدي الي اصابة ابنة الملك بمرض شديد نتيجة غياب الضوء وأشعة الشمس المفيدة ويتسلط الملك أكثر ويقرر تغيير اسم ابنته الأميرة من شمس الشموسة إلي قمر الامورة لمجرد تجاهل الشمس ومحاولة الغاء وجودها ثم يصدر فرمان بالغاء تحية الصباح التي تحتوي علي الخير والنور اعتقادا منه أنه بذلك سينتصر علي الشمس ويجعلها نكرة ينسي الناس أمرها وبعد مشاهدة العرض تكتشف السبب الحقيقي لحجبة وتأخير ظهوره وهو أن كل من علي رأسه بطحة كان يضره ويقلقه الحديث عن الظلم والقهر والفساد ومنع النور وفرض الظلام واستطاع الدكتور محمد عبد المعطي مخرج العرض أن يدهشنا بتدريبه لعشرين طفلا وطفلة هم أبطال العرض وهم يتحركون ويتحاورون كأن لديهم خبرة طويلة في التمثيل و الوقوف علي خشبة المسرح كما استطاع أن يوظف عناصر العرض المختلفة من أشعار وموسيقي وديكور واستعراضات وأقنعة بصورة جذابة ويستخدم صالة العرض مع خشبة المسرح لاضفاء الحيوية وايجاد التجاوب والمشاركة المطلوبة من جمهور العرض ونجح كذلك في اختيار مجموعة الممثلين المتميزين في هذا العرض. ونبدأ بالفنان سامي عبدالحليم صاحب الخبرة الطويلة والثقافة المسرحية الرفيعة والذي رأي بعد اعمال كثيرة شارك فيها علي خشبة المسرح القومي أن ينتقل الي تجربة مختلفة هي التمثيل للطفل.. ورغم صعوبة الدور لأنه الملك الساذج المتأثر بمن حوله والذي يصدر عنه كل الشر دون أن يكون شريرا استطاع سامي عبدالحليم أن يجد صيغة مبتكرة وبسيطة لتقديم الشخصية واقناع الأطفال بها واضحاكهم دون افتعال او تكلف. ونجحت نهال عنبر في تأكيد امكاناتها كممثلة مسرح لها حضورها الخاص وبريقها المميز وهي بكل تأكيد اضافة تحسب لمسرح الطفل. أما عمرو عبد العزيز فهو مفاجأة العرض بحضوره الطاغي وقدرته علي انتزاع ضحكات الأطفال وهو ما يجب أن يلفت أنظار المخرجين للاستفادة منه في مرحلة يحتاج المسرح فيها الي تجديد دماء نجوم الكوميديا والبحث عن مواهب حقيقية تعشق أبوالفنون و تقبل أن تضحي من أجله. ثار عادل الكومي علي دور البطل الوسيم وقدم الشخصية الوزير الفاسد الذي يستغل سذاجة الملك لجني مكاسب شخصية ونتصور أنها بداية لمرحلة فنية جديدة أكثر نضجا له وتنوعا في الأدوار. وأجاد صفوت صبحي في دور الحكيم الهادئ الواثق من نفسه والذي يحمل في داخله حكمة وثقافة وحضارة الشعب المصري. أما هادي خفاجة البستاني الصغير الذي يجسد دور شاطر الحدوتة وفارسها فهو بكل تأكيد موهبة واعدة تحتاج الي استمرار ودعم وكذلك لقاء الصيرفي التي جسدت دور الأميرة الصغيرة وحصلت علي فرصة كبيرة تستحقها.. شارك في المسرحية بأدوار مميزة محمد الشربيني ومحمد بسيوني ومحمد خليل.. لكن أميز ما في العرض اشعار محمد كشيك والحان هيثم الخميسي والتي ضاعفت المتعة والقيمة الفنية للعمل وتزاوجت كلمات كشيك مع نص بيومي قنديل في نسيج محكم وكأنهما شخص واحد. ويقول الشاعر محمد كشيك في استعراض بناء الحائط: بالايد الشمال والأيد اليمين كل يوم في حال احنا البنائين شد شد هات.. فوقنا سقالات.. من جهة وجهات.. طالت ألف عين بالايد الشمال والايد اليمين.. شغالين نهار.. ويا ليل طويل.. نبني في الجدار.. والعرق يسيل.. بحر عالجبين.. نخلط الخليط.. لأجل نبني حيط الشقا محيط من حديد وطين بالايد الشمال والايد اليمين. ومحمد كشيك واحد من أهم شعراء العامية المصرية من جيل السبعينيات وما بعده وكان تلميذا نجيبا للشاعر الكبير فؤاد حداد.. وكتب عددا كبيرا من أغاني وقصائد الأطفال وجذبه الي عالم مسرح الطفل اضافة مهمة تحسب للدكتور محمد عبد المعطي وكذلك هيثم الخميسي أحد أبرز الموسيقيين في الابداع للطفل وله تجارب عديدة,منها اخراج مسلسل العرائس ظاظا وجرجير.. كما ظهرت لمسات الدكتور شكري الانصاري علي الديكور المعبر والذي استفاد من كل مساحات المسرح من خشبة وعمق داخلي وصالة عرض.. وبذل اشرف فؤاد مصمم الرقصات مجهودا واضحا في تدريب الاطفال العشرين أبطال العمل في ورشة ابداع الأطفال والتي أسسها مخرج العمل.. ونتصور ان تلك المجموعة تستحق أن تستمر في عروض أخري لأكثر من مخرج وتلقي كل الدعم والتشجيع.