بعيداً عن القرار النهائي الخاص بإقامة مشروع "أجريوم مصر" لإنتاج اليوريا في دمياط، تبقي العديد من التساؤلات المهمة "المنسية" التي يثيرها الحدث "الأزمة"، ويأتي علي رأسها: كيف يتم وضع الخرائط الاستثمارية.. وهل تراعي طبيعة المناطق في تحديد الواقع.. ولماذا تم اختيار رأس البر بالذات رغم أن الشركة الكندية طرحت موقعين آخرين في جمصة أو ادكو الذي يقع علي بعد 40 كيلو متراً شرق الإسكندرية.. ولماذا يتم تقديم الغاز الطبيعي لمصنع أسمدة دمياط بسعر 4 أو 5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بينما سعره العالمي يتجاوز ال 14 دولارا؟ وهل سيتحمل الجانب الكندي تكاليف عمليات الإسالة والنقل والتحويل للحالة الغازية؟ وأين دور المجلس الأعلي للطاقة ومجلس الوزراء من هذه القضية؟ وكما يقول د. محمد رضا محرم خبير صناعة التعدين والبترول فإن كمية الغاز اليومية المتعاقد عليها تبلغ 140 مليون قدم مكعب يوميا.. ويتساءل: كيف يمكن بيع هذه الكمية الضخمة في وجود المجلس الأعلي للطاقة لهذه الأسعار المتدنية؟! وكيف تم اختيار مثل هذا المصنع المدمر للبيئة الدمياطية ولبيئة رأس البر الساحلية التي تجذب استثمارات ضخمة، ولماذا يتم وضع السكان في هذه المنطقة أمام الأمر الواقع في مواجهة صناعة ملوثة للبيئة.. تصنف عالميا بأنها صناعة سوداء!! الإفصاح أما د. محمود عبد الحي أستاذ الاقتصاد الدولي بمعهد التخطيط القومي فيتساءل: لماذا لم تفصح الحكومة حتي الآن التي تساهم في المشروع الكندي ب 33% حسبما هو معلن عن طبيعة الشروط الجزائية، وحجم التعويضات التي ستدفعها مصر فيما لو قررت الحكومة تحت ضغط الدمايطة نقل المصنع المدمر لبيئة رأس البر؟ ويوضح أن هناك مواقع أخري أكثر ملاءمة لمثل هذا المصنع بدلا من منطقة رأس البر الساحلية التي تمثل امتدادا طبيعيا لمصيف رأس البر، والتي يمكن أن تجتذب استثمارات بمليارات الجنيهات، خاصة أن هناك مواقع بديلة علي البحر الأحمر أو علي ساحل البحر المتوسط لا تقل أهمية أو تميزا عن الموقع الحالي.. ولماذا لم تحرص علي إعداد دراسات علمية وبيئية وعملية وبشفافية تامة لهذا المشروع قبل منحه التراخيص وقبل اعطاء الموافقة النهائية عليه، وقبل تخصيص الأرض له في نوفمبر 2004. الاستثمارات السياحية ويؤكد د. عبد الحي أن أهالي رأس البر ودمياط كان لديهم كل الحق في معارضة المشروع، لأنه سيضر بالاستثمارات السياحية.. وخاصة تلك التي ستنشأ في امتداد رأس البر العمراني كما ستضر بالثروة السمكية بسبب صرف الشركة الكندية لمخلفاتها في البحر.. كما يؤكد ان الأمر كان يستحق قرار نقل المشروع إلي موقع آخر كان يستحق قرار نقل المشروع إلي موقع آخر خارج الحيز العمراني.. حتي لو اقتضي الأمر دفع التعويضات المنصوص عليها في العقود للمستثمر الكندي! من المسئول؟ ومن جهته يري د.أحمد الدميري المستشار السابق للجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب ان الشركة القابضة للبتروكيماويات.. والحكومة تتحمل كامل المسئولية عن اختيار جزيرة رأس البر لتكون موقعا لانشاء مصنع اليوريا والامونيا لأن الشركة الكندية طرحت في البداية في موقع وقامت الشركة القابضة باختيار هذا المكان القريب من الحيز العمراني.. ولأن الحكومة أيضا هي التي منحت التراخيص اللازمة لانشاء شركة أجريوم مصر التي تساهم في البنوك المصرية بحصة تزيد علي ال 330 مليون دولار. الحيز العمراني إلي جانب ذلك فوزارة البيئة قد وافقت علي انشاء المصنع بضوابط معينة في هذا المكان الذي يعتبر امتدادا عمرانيا كرأس البر.. وهي تعلم جيدا كما يقول د.الدميري انه قريب من الحيز العمراني وسيضر بالاستثمارات السياحية في جزيرة رأس البر وامتداداتها الساحلية.. وتعلم ايضا ان الهيئات البيئية العالمية مازالت تقسم الصناعة إلي 3 أنواع: صناعة سوداء، وصناعة رمادية، وصناعة بيضاء وأسمدة اليوريا والأمونيا ومازالت حتي هذه اللحظة موضوعة في الدائرة السوداء الملوثة للبيئة. مسألة السمعة وكما يري د.محمد الهواري رئيس قطاع الاستثمارات السابق بوزارة التنمية الاقتصادية فإن جذب الاستثمار الاجنبي شيء جيد للغاية، ويجب ان نرحب به ومصر في حاجة ماسة إلي أسمدة اليوريا والأمونيا، من أجل اشباع السوق المحلي، والقضاء علي أزمة الاسمدة التي تتكرر كل موسم.. لكن هذا لا يعني ان تنشئ مصنعاً في موقع يبعد عن الأحوزة العمرانية ب 5 كيلو مترات بدون ان تتوافر الشروط البيئية المطلوبة، وبدون ان تكون هناك مراقبة صارمة من وزارة البيئة.. ومن لجنة علمية من الخبراء. يضيف د.الهواري: العلم الحديث تغلب علي الاضرار البيئية لمشروعات الاسمدة والبتروكيماويات.. والمطلوب تنفيذ الشروط البيئية بدقة متناهية من اجل الحفاظ علي الثروة السمكية بالبحر الابيض المتوسط، ومن اجل الحفاظ علي الاستثمارات السياحية بجزيرة رأس البر، ويمكن في حال عدم التزام الجانب الكندي فسخ العقد بدون دفع الشروط الجزائية والتعويضات المنصوص عليها في العقود!! ويطالب د.الهواري بأن يتم تنفيذ المشروع في نفس المكان المحدد الذي يقع علي بعد 5 كيلو مترات من الحيز العمراني برأس البر وبالاستمرار في ضخ الاموال من جانب البنوك المصرية، لان المشروع مهم جدا بالنسبة لمصر ولكي لا تتأثر سمعة مصر العالمية.. مؤكدا علي أهمية تنفيذ الاشتراطات البيئية التي وضعتها وزارة البيئة! ومطالبا في الوقت ذاته بضرورة مراجعة أسعار الغاز المقدم للشركة الكندية لتقترب من الاسعار العالمية التي تتجاوز ال 14 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. ومن جانبه يؤكد مجدي عبد الفتاح نائب المدير العام بالبنك الوطني المصري ان أموال البنوك المصرية المساهمة في مشروع اجريوم الكندي آمنة ولا خوف عليها لأن الجدوي الاقتصادية لمشروع انتاج اليوريا والامونيا عالية والسوق العالمي والمحلي في حاجة ماسة إلي هذا النوع من الانتاج.. مشيرا إلي أهمية قرار نقل المشروع الملوث للبيئة إلي مكان آخر بعيدا عن الأحوزة العمرانية.