لماذا اختيرت رأس البر لإقامة هذا المشروع الذي يحمل شبهة تلوث البيئة في هذه البقعة السياحية الساحرة.. ومن الذي أعطي الموافقات علي إقامة هذا المشروع قبل دراسة الآثار البيئية؟ التناقض الكبير الذي تشهده قضية شركة " أجريوم " الكندية علي الساحة الإعلامية يدعونا للمطالبة " بوقفة " تعلن خلالها الحكومة للرأي العام حقيقة التصريحات المتبادلة والمتناقضة بين المؤيدين والمعارضين للمشروع فأبناء دمياط يرفضون بشدة إقامة المشروع علي أرض مدينة رأس البر ويرفعون شعارات من بينها أنه لن يقام المصنع إلا فوق أجسادهم، في الوقت الذي يؤكد فيه خبراء متخصصون أنه لا ضرر من إقامة مصنع أجريوم لإنتاج الأمونيا واليوريا علي أرض رأس البر، ليتصاعد الخلاف بين وجهتي النظر إلي حد الاتهامات المتبادلة ؛ حيث يؤكد الرافضون أن جزيرة رأس البر بما تملكه من خصائص بيئية فريدة وموقع جغرافي متميز ؛ من بينه أنها تقع في مسار هجرة الطيور والأسماك، بالإضافة لاحتوائها علي غطاء نباتي كثيف من أشجار النخيل والجوافة.. يؤكدون أنه لكل هذه الخصائص وغيرها تقدمت محافظة دمياط بطلب تحويلها إلي " محمية طبيعية " وهو ما وافقت عليه وأيدته وزارة البيئة في فبراير من العام الماضي، وأكد جانب من خبراء البيئة الذين يعملون في قطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة وبالتعاون مع كلية العلوم بجامعة دمياط قيامهم بإعداد دراسة للمنطقة تمهيداً لإعلانها منطقة تحت الحماية البيئية يحظر أن يقام بها أنشطة أو أعمال أو تصرفات أو إجراءات من شأنها إتلاف أو تدهور الطبيعة، أو الإضرار بمكونات النظام البيئي، أو المساس بمستواها الجمالي، وأن تظل مزاراً جاذباً للسياحة البيئية وغيرها من أنماط السياحة المختلفة بما تملكه من إمكانيات بيئية متفردة.. وراح الرافضون أيضاً يؤكدون علي أن إقامة مصنع لإنتاج الأمونيا واليوريا لن يكون مفيداً من أي زاوية، بل علي العكس إنه سيجلب معه حزمة من الأضرار.. وعلي الجانب الآخر كال المؤيدون الاتهامات من كل نوع لمن يقف وراء رفض إقامة هذا المصنع ووصفوهم بأنهم أصحاب مصالح وأهواء من بينها تسقيع الأراضي إلي جانب اتهامات أخري عديدة.. وبعد أن علت الأصوات، وتبودلت الاتهامات، وعمت المظاهرات، ورفعت اللافتات معترضة ومستنكرة لإقامة المصنع الكندي " أجريوم " علي أرض الجزيرة الوديعة، استجاب الرئيس حسني مبارك وأصدر تعليمات واضحة للحكومة بعدم إقامة أي مصانع دون موافقة أبناء محافظة دمياط، لتتبعه تصريحات أخري لرئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف يؤكد فيها عدم تنفيذ إقامة المصنع إذا لم يحدث توافق مع المجتمع، ليأتي بعد ذلك اجتماع المجلس الشعبي المحلي بحضور ممثلين لكل قوي المجتمع ويصدر بياناً هاماً وحاسماً مؤكداً علي الرفض الكامل لمجتمع دمياط بأسره لإقامة مصنع أجريوم أو أي منشآت صناعية أخري في جزيرة رأس البر، ومن ناحيتها راحت الشركة الكندية تحشد كل الإمكانيات الإعلامية وتستعين بخبراء متخصصين ليدحضوا وجهة النظر التي ترفض إقامة المصنع في رأس البر.. ولا يزال السجال مستمراً، لتخرج علينا بعض الأخبار من وقت لآخر تؤكد انتقال المصنع من دمياط إلي البحر الأحمر وإلي السويس وإلي غيرهما وسط تأكيدات من هذه المحافظات بأنه لن تكون لمواطنيها مواقف رافضة أقل من دمياط. والآن، وبعد كل هذه الأحداث الملتهبة نتساءل: لماذا اختيرت رأس البر لإقامة هذا المشروع الذي يحمل شبهة تلوث البيئة في هذه البقعة السياحية الساحرة.. ومن الذي أعطي الموافقات علي إقامة هذا المشروع قبل دراسة الآثار البيئية؟ وإذا كانت تلك الموافقات قد تمت بالفعل فهي كارثة لأنها جاءت مخالفة للواقع الذي يبني عليه أهل دمياط اعتراضهم، وهنا تلوح شبهة فساد لابد من الكشف عنها والتحقيق فيها ومصارحة الرأي العام بتفاصيلها، كما لابد من محاسبة هؤلاء الذين تورطوا في منح موافقات للشركة الكندية وكذلك تخصيص الأرض التي قامت عليها الدراسات الفنية والتي تكلفت الملايين، ثم يأتي التراجع عن الاستمرار في تنفيذ المشروع لجميع الأسباب التي تم ذكرها، وهو الأمر الذي يسيء إلي سمعة الاستثمار في بلدنا، وربما يعرضنا إلي غرامات كبيرة يفرضها التحكيم الدولي الذي لا يعترف بقانون " زينب " ولا يعترف بالترهات التي شابها هذا التخصيص والتراجع عنه.. وعلينا أن نتابع التصريحات التي يطلقها أصحاب شركة أجريوم والتي تضعنا ولاشك في موقف حرج وسنظل نطارد المتسبب في تلك الجريمة لعله يلقي عقابه.. والله من وراء القصد.