مثلي مثل الملايين .. شاهدت أحمد عز وهو يدافع عن نفسه ويرد علي أسئلة زميلتي لميس الحديدي علي شاشات التليفزيون المصري. وشئنا أم أبينا فان أحمد عز أصبح أحد أهم رجال الأعمال في بلادنا . لكنه يمثل في نفس الوقت مشكلة حقيقية، ليس لانه رجل أعمال، وإنما لأنه رجل أعمال يشغل منصبا مهما في البرلمان والحزب الحاكم. أي أن مشكلته ناجمة عن زواج المال والسياسة. وهو زواج بالغ الخطورة. لماذا؟ لأنه يتيح شيئين يثيران القلق: الأول هو الاطلاع علي معلومات داخلية، لا تتاح للمنافسين، ويمكن لرجل الأعمال السياسي ان يتربح منها ويكسب من ورائها الملايين والمليارات ليس نتيجة عبقريته أو مجهوده وإنما نتيجة استثمار موقعه.. الثاني هو الإمكانية الأكبر نسبيا للفساد والإفساد، بحكم ما يتيحه هذا الزواج من مظلة سياسية أو حصانة برلمانية تساعد علي استغلال النفوذ ب"ظهر مسنود". ولعل جزءا أساسيا من الانتقادات التي يتعرض لها أحمد عز ناجم عن هذه الوضعية الشائكة والملتبسة. وبطبيعة الحال فانه يستطيع أن يقسم علي المصحف والإنجيل بأنه بريء من أي ممارسات فاسدة، وهذا حقه. وهناك احتمال - يزيد أو يقل- بأن يكون صادقا بالفعل، لكن الموضوع ليس موضوعا أخلاقيا أو شخصيا، وإنما يجب وضعه في إطار قانوني ومؤسسي يخضع له أحمد عز وغيره ممن يعملون بالشأن العام سواء من نواب البرلمان أو وزراء الحكومة . ونحن لا نخترع العجلة.. فكل البلاد الديموقراطية حلت هذه المشكلة بحلول قانونية ومؤسسية، من بينها الحل الأمريكي الذي تحدثنا عنه مرارا وتكرارا من قبل والمسمي بالTru Blind وهو يعني باختصار ان الشخص الذي يقرر الاشتغال بالشأن العام "يجب" أن يتنازل عن إدارة ممتلكاته فورا، وهذا التنازل لا يكون ل"المدام"، أو صديق أو شريك، وإنما لما يسمي بال Trustee الذي "لا يجب" ان تكون هناك معرفة بينه وبين الشخص العام، وتكون له سلطة تسييل الأصول التي آلت إدارتها إليه ويكون من حقه أن يغير مجال البيزنس الذي يتم استثمار هذه الاموال به، بحيث يفقد الشخص العام الصلة المباشرة بينه وبين استثمار أمواله بعد حين تجنبا للشبهات. ومن العجيب أن بعض المغرمين ب"ماما أمريكا" لا يحبون أن يأخذوا عن النموذج الأمريكي إلا أسوأ ما فيه ويكرهون جوانبه الإيجابية ومنها ال Tru Blind. وإذا كان أحمد عز يريد أن يدفع الشبهات المعلقة فوق رأسه، هو ومن هم في مثل وضعه، من النواب والوزراء، فان هذا لن يكون عن طريق أن يقسم علي المصحف والإنجيل، وإنما باستخدام موقعه الحزبي والبرلماني لوضع هذه القاعدة القانونية التي أصبحت ضرورة ملحة للحفاظ علي نزاهة الحكم ومصلحة المجتمع عن طريق منع تعارض المصالح. ووضع أحمد عز الحالي - وليس هو وحده - نموذج صارخ لتعارض المصالح .. وآن الأوان لان يتوصل المجتمع الي آلية قانونية تدرأ الشبهات وتبدد المناخ الملتبس المولد للريب والشكوك بالحق أو بالباطل.