فجأة أصبح الكلام والحديث يتواصل حول التمويل الأجنبي والأموال التي تدفقت علي أرض مصر من كل الجهات وسط حالة ارتباك لا مثيل لها سواء من دول عربية أو أوروبية لدعم تيارات إسلامية أو ليبرالية. هناك 13 جهة رقابية علي مصادر دخل وانفاق تمويل المنظمات الاهلية لدعم اتجاهات بعينها ليبرالية سياسية وغيرها. فأي تمويل خارجي له شروطه، وقد اكد بيرناردينو ليون، الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لشئون جنوب المتوسط، خلال مؤتمر صحفي في اغسطس الماضي، ان الصداقة الحقيقية بين الدول تقوم علي الشفافية الكاملة وألا يكون هناك أي أسرار، وأن التمويلات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي يتم الإعلان عنها علي الموقع الخاص بمفوضية الاتحاد الأوروبي. وشدد ليون ايضا علي أنه لا يمكن أن يقدم الاتحاد الأوروبي أي تمويل غير شرعي أو قانوني. رانيا نبيل تبحث هذا الموضوع وصف عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، خلال أحد اللقاءات الاخوانية السلفية في ابريل الماضي، ان بعض من يهاجمون الحركات الإسلامية ب"إنفاق أموال حرام تخصص في دوائر أجنبية لمهاجمة الإسلام، ووصفهم بالمصابين بالإسلاموفوبيا، والإخوانوفوبيا، والسلافيوفوبيا"، وكشف ايضا أن جماعة الإخوان المسلمين تعمل علي مشروع إعلامي ضخم لإطلاق بعض الوسائل الإعلامية. وقد انتقد د. سعد الدين إبراهيم مؤسس مركز بن خلدون للدراسات الإنمائية، الهجوم علي منظمات المجتمع المدني والتمويلات الخارجية لأنها حق يكفله القانون، قائلا "إن السلفيين يتلقون تمويلات بالمليارات". كما اوضح رئيس حزب الاصالة السلفي والاخوان وبعض ممثلي حزب الحرية والعدالة الاخواني خلال مؤتمر اخواني سلفي الاسبوع الماضي بحي شبرا، ان "الاخوان والسلفيين يد واحدة" وأي فصيل من التيار الإسلامي لن يستطيع بمفرده أيا كان سواء الإخوان أو السلفيون أن يحقق أهدافه في هذه المرحلة، داعين إلي عنوان هذه المرحلة يجب أن يكون "وحدة التيار الإسلامي" أحزاب سلفية ومن اهم الاحزاب السلفية التي انشئت في اعقاب الثورة وفي فترات قصيرة، "حزب النور" في مايو الماضي والذي انشأ عشرات المقرات، الذي وصل إلي وضع حجر أساس ل"بنك" باسم الحزب! فكيف لحزب جديد ان يعمل علي انشاء بنك بهذه السرعة؟، و"حزب الاصلاح"، "الاصالة"، "حزب الفضيلة".. وحول تعدد الاحزاب السلفية وانتشارها بكثرة ففي احدي تصريحات ل خالد سعيد المتحدث الرسمي للجبهة السلفية، قال إن السلفيين لو أرادوا تأسيس 20 حزبا فلن يجدوا صعوبة في ذلك، لأن لديهم شعبية ضخمة في الشارع أكثر من غيرهم من القوي السياسية الأخري. من ممول جمعة قندهار؟ وعند الاستعدادا لجمعة قندهار في 29 يوليو، قام الاخوان والسلفيون بالقري التابعة لعدة محافظات كبري، بحشد المواطنين، مستخدمين في ذلك شنط رمضان. والصيدليات التابعة للجماعة والسلفيين والتي تقدم الادوية مدعمة ومشاركة المنتفعين اجباريا والا يتم حرمانهم. وفي مخالفة صارخة "لقانون الجمعيات الشرعية" بالاضافة للجمعيات السلفية تحت التأسيس، باستدعاء الطلاب المستفيدين بمجموعات التقوية بالجمعية واولياء امورهم. وفرت الجمعية في ذلك الوجبات الساخنة والمياه المعدنية من محلات الاخوان واتوبيسات مكيفة لنقل الركاب وعودتهم مع توفير شمسيات، وارسال رسائل هاتفية لشباب القري للحث علي المشاركة وقد ظهرت صور لابن لادن الارهابي واعلام السعودية ليعلنوا المشاركين هنا انهم متفقون علي فكر الوهابية. وقد خطب المشايخ في الجمعة الموافق 22 من يوليو بان الجمعة القادمة "لنصرة الاسلام" علي الاقباط والعلمانيين تحت شعار انصر دينك يا مسلم وعدم المشاركة انما كفر وخيانة للوطن!. مطبوعات الارصفة.. بالملايين! واذا حاول الاسلاميون اخفاء وانكار حقيقة تمويلاتهم من دول عربية، فعليهم الاجابة، من اين تلك المطبوعات الورقية من كتب وصور وملصقات، بالاضافة للسيديهات واشرطة الكاسيت الملقاة علي الارصفة بالملاليم؟، وكلها لدعم الفكر المتطرف، ولانعرف لها مصدرا سوي انها كتب مرعبة لكل من يراها بل تشجع علي الفتنة وازدراء الاديان بشكل مباشر مثل "اهوال القبور - ايتها المرأة الحجاب او النار - اهوال القيامة- النساء اكثر اهل النار!! " وغيرها من كتب غير مفهومة، فهي لاتخضع لاي شكل من اشكال الرقابة من الدولة بل تهدد الامن القومي، ولاتقارن بتكلفتها الحقيقية، ولم تتوقف عند الارصفة فقط بل تٌرك لها العنان حتي وصلت للمواصلات العامة، فاذا غابت الرقابة في النظام السابق واعمت اعينها عن هؤلاء المروجين للفتنة والدمار واخذت تبحث عن المفكرين والعلماء لتكفيرهم وطردهم من اوطانهم، وتركت الاسواق للمخربين وصادرت كتب العلماء المثقفين وتركت لنا السلفيين بفكرهم الوهابي الدموي ليسيطر علي وجدان الاطفال والفقراء الذين يقعون فريسة سهلة تحت تأثيرهم، اضف الي ذلك اكثر من 15 محطة تليفزيونية تبث سمومها للمواطنين يوميا دون توقف.. فهل ستغيب الرقابة الان في ظل ثورة رفضت كل اشكال التدخلات الخارجية؟ التمويلات الاسلامية وعن التمويلات التي تتلقاها الاحزاب الاسلامية، كشفت مؤخرا لجنة تقصي الحقائق بوزارة العدل، ان التمويلات التي دخلت مصر الأشهر الستة الماضية، قد وصلت للملايين منحا قطرية واماراتية. وهذا ماكشفه ايضا محمد عبد العزيز الجندي وزير العدل معلناً عن تلقي احدي الجمعيات في 21 فبراير الماضي 181 مليوناً و724 ألف جنيه منحة من دولة عربية، وان "جماعة أنصار السنة المحمدية" حصلت علي 39 منحة اجنبية في يوم 23 فبراير 2011 من اجمالي 181 مليوناً و724 ألفا و486 جنيها. وكان رد الأمين العام لأنصار السنة أحمد يوسف علي هذا حيث نفي تماما صحة التقرير وتصريح الوزير " قائلا: ان كل ما حصلنا عليه من مؤسسة "عيد الخيرية في قطر"، منذ بداية العام وحتي الآن 800 ألف جنيه فقط. تمويلات الليبراليين وكان قد اتهم المجلس العسكري حركة 6 ابريل بالعمل لتحقيق اجندات خارجية، تهدف للفتنة بين الجيش والشعب، ومن هنا اصدرت الحركة بيانا ترفض اتهامها بالتمويل او بالعمالة الخارجية واذ ثبت ذلك فعلي المجلس أن يقدم ما لديه من ادلة واثباتات للرأي العام. وقد تقدمت 36 منظمة حقوقية اغسطس الماضي بشكوي رسمية لخمس جهات حقوقية تابعة لمنظمة الأممالمتحدة ضد ما قالت إنه حملة يشنها المجلس الأعلي للقوات المسلحة، والحكومة، علي منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، بسبب كشفها جرائم تعذيب حدثت بعد الثورة. اغراق الواقع السياسي رأس المال السياسي الذي يتدفق بقوة الان بهدف "إغراق" الواقع السياسي المصري بعد ثورة يناير. وهذا ما اكده المهندس أحمد بهاء شعبان وكيل مؤسسي الحزب الاشتراكي، وهذا التمويل الهائل يتجه في اتجاهين محددين. اما مساندة ودعم التيارات الليبرالية ومصدره الولاياتالمتحدة ودول اوروبا الغربية، او لدعم وتأسيس هيئات واحزاب اصولية متطرفة تسعي للانقضاض علي الثورة وتغيير مسار حركة المجتمع لصالح اغراض علي النمط الوهابي ومصدره دول الخليج النفطية علي راسها المملكة السعودية. واشار بهاء الدين ان عملية تشكيل الاحزاب اصبحت تتحكم فيها القدرات المادية في المقام الاول، حيث اشترط قانون الاحزاب الجديد لاعلان الحزب بوجود 5000 توكيل وعشرة مقرات بعشرة محافظات ونشر بجرائد عامة تتكلف اكثر من مليون وربع المليون جنيه.. تلك التكاليف التي لايمكن ان يتحملها إلا اصحاب رؤوس الاموال والممولون من الخارج وهذا مايحدث الان. ونري الان ان كل الاحزاب مؤسسيها اما من رجال الاعمال او ذات اتجاهات دينية. تشديد الرقابة واضاف وكيل مؤسسي الحزب الاشتراكي، انه تمت مطالبة المسئولين بتشديد الرقابة علي الاحزاب السياسية والبحث في مصادر تمويلهم لما نراه من نفقات باهظة علي حملات الاعلان والمؤتمرات حتي وصلت ان احد الاحزاب دعا لانشاء "بنك" فضلا انشاء عشرات المقرات وجمعيات المجتمع المدني، الامر الذي يدمر فرص اقامة مجتمع ديمقراطي متكافئ في المستقبل. واكد ان ظاهرة وجود الفضائيات الخاصة والصحف ايضا، والفضائيات الدينية الهادمة وانتشار المطبوعات علي الارصفة ستظل موجودة دائما ولن تختفي حتي بعد الثورة وذلك بسبب _علي حد قوله_ ان هناك من له مصلحة من القائمين علي شئون الحكم لاستمرار مثل هذه الظواهر لقمع الثورة وترويع المواطنين واشعار الجميع ان الثورة المتسببة في اطلاق هذه الجماعات ولاسبيل للسيطرة عليها الا ببقاء هؤلاء في الحكم لانهم يملكون السيطرة عليهم. الا ان حقيقة الامر ان هذه الجماعات هي نتاج النظام البائد الذي اطلقها علي هذا النحو بعد الثورة. الاحزاب المدنية الوطنية والتي تسعي لتأسيس نفسها اعتمادا علي الذات "لها الله" علي حد قول بهاء شعبان نظرا لانها معتمدة علي المجهودات الشخصية لانها امام منافسة غير متكافئة علي الاطلاق، فنحن امام خيارين كلاهما مر اما القبول بالتمويل الاجنبي مما يعني اجندات اجنبية واضحة وبشروط معينة لاتصب في مصلحة الوطن او الرفض وبالتالي علينا تحمل عبء انشاء حزب بملاليم الفقراء، الامر الذي يعوق عملية البناء الا ان هذا السبيل الوحيد لعمل وطني حقيقي بعيدا عن شبهات التمويل الخارجي. ومن هنا طالب شعبان بتوفير ودعم صندوق تمويل وطني للمنظمات الاهلية يشرف عليه وطنيون شرفاء. تمويل وطني وقال د. جمال زهران استاذ رئيس قسم العلوم السياسية جامعة قناة السويس، إننا في مرحلة الوضوح والشفافية خاصة فالنظام السابق عمل علي الاستحواذ علي كل التمويلات الداخلية الوطنية حيث لم يستطع رجال الاعمال تمويل المنظمات المدنية مشيرا إلي ان هناك 20 مليار جنيه حجم تمويلات سيتم انفاقها علي الانتخابية البرلمانية القادمة، مضيفا ان الدولة تقدم اسوء نموذج في تلقي المنح والقروض الامريكية فأغلب اموال المعونة منهوبة ومن شخصيات رسمية ، وطالب زهران بضرورة استحضار التمويل الوطني لان التمويل الاجنبي للمنظمات المدنية يؤدي لانقلابات بالمجتمعات مع تحور بعض القضايا المختلفة وانحرافها عن طريقها مما يؤثر علي الامن القومي. مراقبة المركزي للمحاسبات وطالب نبيل عبد الفتاح الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، بتوقف اي صورة من صور التمويلات الخارجية سواء من دول عربية لدعم الاحزاب الاسلامية، او تمويلات غربية لاحزاب سياسية، بالاضافة لتمويلات رجال الاعمال، لانها محاولة لاجهاض الثورة والانقضاض عليها من قبل مجموعة بهدف حصر العملية السياسية في مصر في اضيق نطاقتها، وطالب عبد الفتاح بتجريم العقاب لاي حزب سياسي او جمعية دينية يثبت حصولها علي اي اموال خارجية من اي جهة كانت اسلامية او اوروبية، وضرورة الكشف عن اي تبرعات تقدم أوجه انفاقها والحد الاقصي ايضا عن طريق الجهاز المركزي للمحاسبات. وذلك حتي لاتتحول مصر الي لبنان ثانية كما في 1975 في الحرب الاهلية اللبنانية بسبب مثل هذه التمويلات الخارجية. ثورة مضادة وقال د. محمد منير مجاهد المنسق العام لمجموعة مصريين ضد التمييز الديني، إننا ضد التمويلات الخارجية في الحركة الخاصة بنا، مضيفا تضامنه ضد الهجمة الشرسة التي تتعرض لها المنظمات الاهلية والتي مقصود منها الحد من التوعية التي تقوم بها، وطالب مجاهد باثبات ذلك بالتحقيقات القضائية لتلك الاتهامات بدلا من الكلام المرسل، لان الهدف انما هو تشويه الثورة وحقيقة الامر ان المجلس العسكري -علي حد قوله- يلعب دور قيادة الثورة المضادة. ومن هنا طالب مجاهد بضرورة الشفافية في اي تمويلات خارجية وتحديد اوجه الانفاق لها. غزل الاسلاميين وقال د. مجدي عبدالحميد، رئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، إن الجماعات الاسلامية لها مصادر تمويل عديدة جدا من دول الخليج بشكل غير رسمي وغير شرعي ومن هنا وجب علي الدولة تطبيق القانون بشكل حازم وصارم مع مثل هذه الجهات، لكن مايحدث هو العكس بالهجوم علي المنظمات الاهلية لانها ساعدت علي توعية المواطنين بحقوقهم الاجتماعية والسياسية ومن هنا جاء الهجوم عليها واصبح يشكل عقبة حقيقية خاصة بعد دورها في الثورة. واعمت الحكومة والمجلس العسكري اعينها عن التيارات الاسلامية مما يوضح حالة "الغزل السياسي" المتبادل بينهما ولانعلم الي اي مدي سيطول هذا الغزل. واكد عبد الحميد ان الازمة ليست في قضية التمويل الخارجي بقدر مايمثله المجتمع المدني من دور مؤثر في العملية السياسية ومن هنا اصبح يمثل عدوا حقيقيا للقائمين بالحكم.