منذ اندلاع الثورة يكثر الحديث عن التمويل الأجنبي لمنظمات حقوق الإنسان والجمعيات وهو ما أوجد أزمة بين المجلس العسكري ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني. حيث هددت المنظمات بأنها سترفع شكوي إلي لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تتهم فيها المجلس بشن حملة تشهير ضدها بعد أن بدأت محكمة أمن الدولة العليا في إجراءات التحقيق مع عاملين في المنظمات بتهم تتعلق بحصولهم علي تمويل من جهات أجنبية وبصفة خاصة من الولاياتالمتحدةالأمريكية لتهديد الأمن القومي. وبعد ذلك جاءت تصريحات وزير العدل المستشار عبدالعزيز الجندي بشأن حصول جمعيات خيرية إسلامية علي181 مليون جنيه مقابل نشر الفوضي بعد الثورة من دول خليجية بشكل يخرق حظر وزارة التضامن والعدالة الاجتماعية لتدق ناقوس الخطر وتفجر ملف التمويل الأجنبي الموجه لمصر, وحصول منظمات حقوق الإنسان علي تبرعات بزعم دعم الديمقراطية بمصر, هو ما يثير التساؤل حول هل الديمقراطية أصبحت في يد محترفي التمويل الأجنبي بدلا من أن تكون بيد المصريين أنفسهم؟ تطبيق الديمقراطية في دول العالم الثالث لا يحقق مصالح الغرب والدول المانحة لهذه التبرعات هذا ما أكده الدكتور عاصم دسوقي أستاذ التاريخ فيقول: إن الغرب يريد حاكما ديكتاتورا يملي عليه شروطه بالتليفون والرسائل الخاصة وأن التمويل الأجنبي الموجه بزعم دعم الديمقراطية يعد مؤامرة من قبل منظمات دولية وجريمة يرتكبها من يتلقون هذه الإعانات ويقع في دائرة الاستقواء بالخارج ومحكوم عليه بالعمالة. ويضيف أن التاريخ خير دليل علي أن هناك العديد من المحاولات للتأثير علي مستقبل مصر الديمقراطي من الخارج, ففي عهد الخديو إسماعيل من خلال أزمة الديون الأجنبية تم تقديم الدعم الخارجي من قبل فرنسا وانجلترا, وعندما ضاق الخديو إسماعيل من هذا التدخل عقد مجلس شوري نواب للبحث عن حلول أخري لحلها, ولكن احتجت فرنسا وانجلترا, وهو ما يؤكد أن مصلحة الغرب بعيدة تماما عن الديمقراطية وهو ما حدث أيضا بعهد مصطفي كامل عندما نادي بالجلاء التقطة فرنسا وفتحت له الأبواب للحديث, ولكن بعد الوفاق الانجليزي الفرنسي في عام1904 استغنت عنه, وهو ما يعكس أن التمويل الأجنبي وسيلة لتنفيذ أهداف ومصالح لا تتفق مع مبادئ الثورة بعدم عودة دور الدولة ونشر الفوضي. أما الدكتور محمود السقا, أستاذ القانون بجامعة القاهرة فيري أن المفترض بعد الثورة أن يتم الحفاظ علي مبادئ الثورة التي قامت من أجلها فالمصريون لن يبيعوا أنفسهم, وستظهر هذه القيمة الأخلاقية ضد أي محاولات أجنبية سواء بالتمويل أو غيره, موضحا أن الشعب المصري لن يقبل بأي تدخل وقادر علي كشف أي مؤامرة وقادر علي ايجاد حياة نيابية سليمة دون أي تمويل أو تدخل خارجي, وذلك رغم محاولات العديد من الدول سواء العربية أو الأوروبية التدخل في الحياة السياسية والاقتصادية, ولكنها لن تفلح لأنها لا تملك بالأصل مفاتيح الديمقراطية التي تروج لها. التمويل الأجنبي لم يقتصر علي الأحزاب والحركات السياسية فقط بل وصل للصحف والقنوات الفضائية لدعم مرشحين بعينهم دون علانية ذلك صراحة والمثير للقلق أنها لا تملك أي مستندات تتعلق بمصادر تمويلها ولم تكتف بذلك بل لجأت إلي بث برامجها عبر أقمار صناعية بدلا من نايل سات, للهروب من أي التزامات أو رقابة علي مصادر تمويلها والجهات المشاركة في ملكيتها, وحول ذلك يري الدكتور مرعي مدكور أستاذ الإعلام أن أي تمويل خارجي يحمل في طياته أهدافا سياسية مرفوضة شكلا وموضوعا خاصة التي تأتي موجهة لأشخاص بعينهم وليس من خلال الدولة, وهو ما ساعد علي ظهور قنوات وصحف موجهة لتحقيق أهداف سياسية معينة خاصة مع اقتراب الانتخابات, وذلك لتأثير الإعلام علي تحريك الرأي العام. ولكنه ألقي المسئولية في دخول هذه المعونات علي عاتق الدولة, حيث أن هناك ما يقرب من24 جهازا رقابيا وبكل مؤسسة شئون قانونية مسئولة عن مراقبة كل مليم يدخل أو يخرج, فكيف دخلت هذه الملايين دون حسيب أو رقيب؟ وهو ما يعني ضرورة تفعيل دور هذه الأجهزة بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي ووزارة التعاون الدولي وأن يتم تلقي أي تبرعات بشفافية حتي لا تتحقق أهدافها في تقسيم الوطن كما تريد. ويوضح صلاح عيسي رئيس تحرير جريدة القاهرة أن التمويل الموجه لأي جمعية يكون بشرط اخطار وزارة التضامن والحصول علي موافقتها, وطبقا لقانون الجمعيات تخضع أيضا شركات مدنية غير هادفة للربح تحصل علي معونات أجنبية, وفي حال ثبوت مخالفتهم للقانون تتم احالتهم للقضاء, أما فيما يخص التمويل الأجنبي في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية فمتلقوها يعدون عملاء لجهات أجنبية في حال تنفيذهم لأجنداتهم السياسية حيث أن التمويل السياسي للحركات والأحزاب يعد مسمارا في نعش الثورة. أما فيما يخص سيطرة التمويل الأجنبي علي الإعلام فيري أنه مع اقتراب الانتخابات بدأ يظهر العديد من القنوات الموالية لأشخاص بعينهم وتدعم أحزابا بعينها, ولكن الخطورة في القنوات التي بدأت تبث لدعم مرشحين بعينهم, ولكنها لا تعلن عن موقفها صراحة بكل شفافية, هؤلاء يجب أن يحاسبوا بمقياس مدونة الأخلاق المهنية, موضحا أن الحكومة يجب أن تعلم مصدر تمويل الصحف والفضائيات الجديدة, ومطالبتهم بمعرفة مصادر تمويل الحملات للمرشحين لانتخابات الرئاسة والمرشحين للانتخابات البرلمانية, وأن تتضمن أوراق الترشيح اقرار الذمة المالية لكل مرشح ولأسرته ومصادر تمويل حملته الانتخابية, ونفس الأمر للأحزاب السياسية بأن تعلن عن ميزانيتها والمبالغ المخصصة لدعم مرشحيها. من جانبه رفض صلاح سليمان, رئيس مؤسسة النقيب لحقوق الإنسان, سياسة التخوين لكل منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان ولابد أن يتم تقديم كل ما يثبت تورط الجمعيات في الحصول علي تمويل أجنبي لنشر الفوضي وتقديمها للنيابة العامة. وأخيرا.. التمويل السياسي للحركات والأحزاب والإعلام مسمار في نعش الثورة خاصة أنه موجه إلي جماعات بعينها لذلك لابد من تحرك جاد لتنظيمه ومعرفته والإعلان عنه وعن أهدافه فمن يرد الديمقراطية ومكافحة الفساد والشفافية والنزاهة لابد أن يعلن عن حجم تمويله لحملاته الانتخابية سواء برلمانية أو رئاسية.