غياب التنظيمات الفلاحية وضع الفلاح تحت رحمة التجار انخفاض معدلات التنمية البشرية في المحافظات الريفية خاصة الصعيد انهيار ربحية الزراعة.. وراء زيادة معدلات التعدي علي الأراضي الزراعية عشوائية حفر الآبار أدت لانخفاض منسوب المياه وزيادة الملوحة إلغاء الدورة الزراعية وإهمال دور التعاونيات سبب تخلف نمط الإنتاج الابتعاد عن إفريقيا أضر بالأمن القومي المائي لمصر *بقلم د .شريف فياض: تعتبر الزراعة المصرية هي أحد أعمدة الاقتصاد، حيث توفر الزراعة الجزء الأكبر من احتياجات الغذاء. وتزود الصناعة المحلية بالمواد الأولوية وتضيف الى الدخل من الصادرات، بالإضافة إلى توفير فرص عمل ودخل للعمال الزراعيين والتجار في المنتجات الزراعية والمصدرين وناقلى السلع الزراعية. حيث يستوعب قطاع الزراعة، أكثر من ربع المشتغلين في مصر، كما يمثل متوسط الدخل من المشروعات الزراعية أكثر من 20% من إجمالي الدخل في المناطق الريفية، بالإضافة إلى أهمية الزراعة لسوق عمل المرأة. سوف يتم التعرض في ذلك المقال الى هل حدث تطوير لقطاع الزراعة بشكل يؤدى إلى تطور اجتماعى حقيقى ينقل المجتمع من مرحلة متأخرة إلى مرحلة أكثر تقدمية. بالإضافة إلى مدى كفاءة استخدام الموارد الزراعية التي هي أساس العملية الزراعية في مصر وبالأخص المياه والأرض، هذا بالإضافة إلى النظرة إلى الفلاح المصرى الذى هو أساس العملية الإنتاجية في قطاع الزراعة. وبالتالي هذا المقال لن يقيم الفلاح والزراعة في مصر خلال فترة حكم مبارك من الناحية التقليدية بمعنى نسب الاكتفاء الذاتي والاستثمار الزراعى والإنتاجية المحصولية وغيرها من المؤشرات التي يمكن أن تستخدم في الأبحاث العلمية. ولكن سوف يتم التقييم من خلال النظر إلى مدى التطور الذى حدث في قطاع الزراعة بمعنى هل انتقل قطاع الزراعة من أنماط إنتاج ما قبل الحداثة إلى نمط إنتاج حديث، الامر الذى يؤدى إلى تطور حقيقى في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للريف المصرى، بالتالى المجتمع المصرى ام تم تأصيل أنماط إنتاجية ما قبل الحداثة (نمط الإنتاج الخراجى والأسيوى) وبالتالي استمرار التخلف في الريف والمجتمع المصرى. بالإضافة إلى كفاءة استخدام الموارد الطبيعية وعلى الأخص المياه والأرض، خاصة وان مصر تعانى من ندرة في الاراضى القابلة للزراعة (اغلب الأراضى المصرية أراض قاحلة او شديدة القحولة) وكذلك ندرة المياه (اغلب الموارد المائية المصرية من مصادر خارجية). أخيرا أثر هذا على الفلاح المصرى وهل تحسنت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفلاح المصرى كمواطن مصري له حقوق اقتصادية واجتماعية وخدمية مثله مثل أي مواطن مصري يعيش في الأماكن الحضرية كالقاهرةوالإسكندرية وغيرهما. أنماط الإنتاج أولا: بالنسبة إلى تطور قطاع الزراعة ومدى التطور في أنماط الإنتاج في الزراعة المصرية، فمن الملاحظ أنه لا يزال الفلاح المصرى ينتج بشكل اساسى للاكتفاء الذاتي وليس طبقا للأسعار المحلية او العالمية، حيث لم تتوافر دراسات سوقية او سعرية مستقبلية وتنشر مثل تلك الدراسات والأرقام للتنبؤ بالأسعار المحلية او العالمية وكلك أماكن التسويق للمنتجات الزراعية المناسبة، الامر الذى أدى للمنتج الزراعى المصرى وعلى الأخص الفقراء منهم أن ينتجوا بشكل اساسى لأنفسهم او لماشيتهم وليس طبقا لتنبؤات سعرية او سوقية لتلك المنتجات، وقد ازاد الامر سوءا عندما تخلت الدولة المصرية في عهد مبارك عن دورها في العملية الإنتاجية الزراعية وتركت الفلاح العوبة في يد التجار سواء لمستلزمات الإنتاج الزراعى او خلال عمليات تسويق المنتجات النهائية، بالإضافة إلى انهيار نظام الإرشاد الزراعى والمؤسسات الزراعية وعلى الأخص التعاونيات والاتحادات الفلاحية وسيطر على التعاونيات كبار العائلات في الريف المصرى واغنياء الريف المصرى الامر الذى أدى إلى ان مزيد من تخلف البنية المؤسساتية التي كانت يمكن أن تساعد قطاع الزراعة على التحول من انماط إنتاج متخلفة إلى أنماط إنتاج اكثر حداثة تتناسب مع عصر التكنولوجيا الاكتشافات العلمية الحديثة. هذا بالإضافة، إلى ظاهرة التفتت الحيازى الامر الذى أدى ارتفاع تكلفة الوحدة المنتجة وهذا التفتت الحيازى ساعد فيه عدم تفعيل تعاونيات الإصلاح الزراعى التي كانت لها دور فعال في عهد عبد الناصر. إلغاء الدورة الزراعية وكذلك إلغاء الدورة الزراعية، منذ أوائل التسعينيات إلى الان. تلك هي أهم الأسباب التي أدت إلى تركز قطاع الزراعة كقطاع متخلف يتميز بنمط الإنتاج الأسيوى وهو النمط الذى كان سائدا قبل الاكتشافات العلمية الحديثة وقبل عصر النهضة في أوروبا، ولم تعمل الحكومة على إدراك أهمية التطور في أنماط الإنتاج في القطاع الزراعى ولا في قطاعات إنتاجية أخرى مثل الصناعة، الأمر الذى أدى إلى استمرار بل وتأصيل التخلف الاجتماعى وعلى الأخص في الريف المصرى، ولم يحدث اى تطور اجتماعى حقيقى للمجتمع المصرى. تخلف اجتماعى ولاشك أن هذا التخلف الاجتماعى الذى حدث في عصر مبارك بالريف المصرى، أثر بشكل كبير على معدل نمو الإنتاجية الكلية للموارد في قطاع الزراعة المصرى حيث انخفض من 2.37% خلال الفترة من 1962- 1970 إلى نحو 0.45% خلال الفترة من 2001 – 2011، وهذا أدى إلى انخفاض في معدل نمو الإنتاج الزراعى من نحو 4.4% خلال الفترة من 1962-1970 إلى 2.45% خلال الفترة من 2001-2011، كما ذكر في دائرة البحوث الاقتصادية – وزارة الزراعة الأمريكية – قاعدة البيانات 1961-2016. الموارد الطبيعية ثانيا: كفاءة استخدام الموارد الطبيعية المحلية: كما تم التعرض سابقا فإن مصر تعانى من ندرة في مورد الأرض الصالحة للزراعة وكذلك ندرة مورد المياه، الامر الذى يحتم علينا ان تكون هناك كفاءة في استخدام هذين الموردين المهمين للزراعة المصرية. وبالتالي العمل على رفع الكفاءة الاقتصادية لهذين الموردين وعلى الأخص مورد المياه. ولكن يتبين انه خلال فترة مبارك، عانت مصر من التعدى على الأراضى الزراعية وعلى الأخص الأرضى الواقعة في الوادى والدلتا، والتي تعتبر من أهم واعلى الإنتاجيات على مستوى العالم. حيث تشير تقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء إلى ان حجم التعديات على الأراضى الزراعية بلغت خلال الفترة من 1983 إلى 2010 نحو 110.7 ألف فدان (38.2 تبوير، 8.5 ألف فدان تجريف، 64 ألف فدان بناء). ولا شك ان معدلات الزيادة فى التعدى على الاراضى الزراعية من أهم أسبابها هي عدم ربحية قطاع الزراعة مقارنا بقطاع التشييد والبناء، حيث قلت ربحية قطاع لزراعة بشكل كبير مقارنا بباقى القطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى وعلى الأخص قطاع التشييد والبناء خلال فترة الرئيس مبارك، الامر الذى أدى إلى التحول من الاقتصاد الإنتاجى الحقيقى إلى الاقتصاد الريعى. بينما لمياه فلا يختلف الحال في مورد المياه عنه في مورد الأرض، حيث لا يخفى على أحد أهم المشاكل التي تواجه مصر في تلك الفترة وقيام الدولة الإثيوبية الان ببناء سد النهضة الاثيوبى ومشاكل المياه المتوقعة جراء بناء هذا السد وتأثيره على قطاع الزراعة المصرى. ويمكن أن يرجع جزء ليس بقليل فى تلك المشاكل إلى الإهمال الجسيم الذى وجهه نظام مبارك إلى إفريقيا، والإهمال المتعمد الذى نالته الدول الإفريقية وعلى الأخص دول حوض النيل وعلى الأخص الدولة الإثيوبية ( علما بان نحو 85% من موارد مصر النيلية تأتى من الهضبة الإثيوبية). وعلى الرغم من توقيع مصر لاتفاقية الكوميسا مع بعض دول شرق وجنوب ووسط إفريقيا إلا ان الإهمال الجسيم الذى كان موجها إلى الدول الإفريقية ومنها دول حوض النيل (شريان الحياة في مصر) أدى إلى عدم التكامل الاقتصادى والزراعى الحقيقى بين مصر تلك الدول، وبالتالي ابتعاد مصر عن إفريقيا الذى اضر بمصر الان او يهدد الامن القومى المصرى الان من خلال تهديده للأمن المائى المصرى. إدارة المياه بالإضافة، إلى العشوائية في إدارة المياه فعلى الرغم من وجود مشاريع تطوير الرى الحقلى سواء في اراضى الوادى والدلتا او اراضى الاستصلاح وتطوير الصرف الزراعى والتي بدأت منذ قترة ليست بالقليلة إلا ان ما تم الانتهاء منه لا يتعدى بضعة آلاف من الافدنة، الأمر الذى يرجعونه إلى عدم وجود المخصصات المالية الكافية لهذين المشروعين المهمين. الامر الذى يشير إلى عدم اهتمام النظام في ذلك الوقت بالانفاق على تطوير الرى الحقلى او الصرف الزراعى بشكل جدى، وبالتالي عدم الاهتمام بشكل كبير بكفاءة استخدام الموارد الطبيعية. هذا بالإضافة إلى العشوائية في حفر الابار وعلى الأخص في طريق مصر الإسكندرية الصحراوى، الامر الذى أدى إلى إخفاض مستوى منسوب المياه في تلك المنطقة وزيادة ملوحة المياه الجوفية في تلك المنطقة، علما بأنه تم عمل منتجعات سياحية للأغنياء ولم يستفد فقراء الوطن من تلك المياه على الرغم من ان المياه الجوفية هي ثروة حقيقية يملكها كل فئات وطبقات الشعب المصرى، وهى أيضا ملكا للأجيال القادمة لابد ان تظل نظيفة وقابلة للاستخدام للأجيال القادمة. وعلى هذا يتبين أن نظام مبارك لم يكن يهتم بشكل كبير بالموارد الطبيعية، الامر الذى أدى إلى انخفاض نصيب الفرد من الأراضى الزراعية من 0.13 فدان/ نسمة في 1990 إلى 0.11 فدان/نسمة في 2010، وكذلك انخفاض نصيب الفرد من المياه إلى اقل من الف متر3/ للفرد وهو حد الفقر المائى إلى ان بلغ قرابة ال 600 متر3 / للفرد وهو يقترب من حد الفقر المدقع من المياه. ولا شك ان الزيادة السكانية كان لها تأثير على هذا، ولكن معدلات الزيادة السكانية كانت متوقعة وكان لابد بنظرة استراتيجية العمل على الحفاظ على هذين الموردين بشكل كبير من التدهور مع عدم تعرض مورد المياه إلى التهديد من خلال إهمال دول حوض النيل وعلى الأخص الدولة الإثيوبية. حقوق الفلاح ثالثا: الفلاح المصرى: عند النظر إلى الفلاح المصرى لابد من النظر إليه من ناحية أنه مواطن مصري له كل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى لدى كل المواطنين في الدولة المصرية. ولكن وللأسف الشديد لم يكن هناك أي اهتمام بقاطنى الريف المصرى وعلى الأخص الفلاح المصرى حيث لم يكن هناك اى اهتمام بالبنية الأساسية من صرف صحى او بناء وحدات سكنية او تطوير العشوائيات التي انتشرت في بعض مراكز المحافظات الريفية إلى جانب المحافظات الحضرية، ولم يكن هناك نظام صحى او تطوير للوحدات الصحية المنتشرة في الريف المصرى وكذلك عملية تعليمية حقيقية في الريف المصرى. فإذا ما أراد فرد من القاطنين في الريف المصرى العلاج او تعليم أبنائه بشكل سليم فكان علية ان يذهب إلى عواصمالمحافظات ذو الطابع الحضرى او إلى المحافظات الحضرية مثل القاهرة او الإسكندرية للعلاج او التعلم، هذا بالإضافة إلى عدم الاهتمام بالخدمات الاجتماعية الاخرى مثل التأمين الإجتماعى على الفلاحين الفقراء وبالأخص على عمال الزراعة الذين يقومون بتأجير قوة عملهم إلى الغير. التنظيمات الفلاحية مع غياب التنظيمات الفلاحية، سواء التعاونيات او الاتحادات الفلاحية كما سبق القول ومع تحرير الزراعة وانسحاب الدولة المصرية من العملية الزراعية، الامر الذى وضع الفلاح البسيط تحت رحمة التجار وبالتالي لم يكن هناك أي شكل من اشكال التنظيمات الفلاحية او التعاونية التي تدافع عن حقوق الفلاح المصرى سواء الاقتصادية او الاجتماعية او السياسية. كل هذا الامر، أدى إلى مزيد من التخلف الاجتماعى بشكل أكثر تركيزا في الريف المصرى وخاصة بين الفلاحين الفقراء، وانخفاض معدلات التنمية البشرية في المحافظات الريفية وعلى الأخص في الصعيد والتفاوت الرهيب في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين الأقاليم المصرية. فأدى ذلك إلى تفاقم مشكلة الفقر في الريف المصرى وعلى الأخص في صعيد مصر وفى قطاع الزراعة مقارنة بباقى القطاعات الاقتصادية الأخرى، الامر الذى وصل إلى قرابة 65% من الفقراء في مصر ممن يعملون في قطاع الزراعة. وأخيرا: لابد من النظر بنظرة موضعية إلى ان السياسات الاقتصادية والاجتماعية خلال فترة مبارك، فلم يعط للريف المصرى أي اهتمام فأدت سياسات هذا النظام إلى تخلف اجتماعى في الريف المصرى، الامر الذى أدى إلى تزايد الهجرة من الريف إلى المدن الرئيسية وبالتالي انتشار ظاهرة ترييف المدن بشكل كبير وانتشار العشوائيات وتغيير ثقافة المدينة من الثقافة العصرية الحديثة إلى الثقافة الأصولية وانتشار التخلف الاجتماعى في المدن المصرية، وهذا أدى إلى انتشار ظاهرة الإرهاب سواء الفكرى او الجسدى الذى يعانى منه المجتمع المصرى الان. وهذا ناتج من التخلف في أنماط الإنتاج وعدم العمل على تطوير أنماط الإنتاج الزراعى وجعلها نمط إنتاج حديث قابل للتعايش مع التطور الاجتماعى والاقتصادى الحادث في العالم الحديث الآن، على الرغم من التكنولوجيا الحديثة المستخدمة في قطاع الزراعة ولكن لاتزال الثقافة البدائية ووعى العصور الوسطى هو المسيطر على عقلية المواطن في الريف المصرى. وما حدث لقطاع الزراعة من انهيار وتخلف اجتماعى يمكن أن نرجعه إلى ان النظام لم يعمل على بناء إنسان عصرى حديث ولكن عمل على بناء منظومة فساد مالى وإدارى أدت إلى انتشار الفساد وتصفية القطاع العام مع عدم بناء قطاع خاص إنتاجى حقيقى، فأهدر موردا مهما من الموارد التي يمكن أن تحدث التنمية الحقيقية وهو بناء الإنسان العصرى الحديث وبناء الدولة المدنية العصرية الحديثة.