الإعجاز العلمي. التفسير العلمي. التفسير الموضوعي للقرآن الكريم. مصطلحات ثلاثة تتردد علي ألسنة وفي كتابات الذين يتناولون موضوع العلم في القرآن الكريم. ومن معايشتي لقضية إعجاز القرآن - سواء بالكتابة أو الحديث. وبعد قراءتي للكثير مما كتِب في هذا الموضوع - تبيَّن لي بجلاء لا لبْس فيه أن تلك المصطلحات الثلاثة وجه واحد لحقيقة أكيدة. وتلك الحقيقة هي نبأ القرآن. ومِن ثَمَّ» فإن الإعجاز العلمي يمكن تعريفه بمنتهي البساطة. علي أنه: سبق القرآن بالإخبار عن حقيقة أثبتها في الماضي أو يثبتها العلم في الحاضر أو المستقبل. مع ثبوت عدم إدراكها بالوسائل البشرية عقب نزول الآية القرآنية ذات الصلة. وهنا ينتهي التعريف ويأتي الإيضاح. فمن التعريف يتضح أن العلم الكوني القرآني يحتوي تطوُّر العلم خلال الزمن كله. ويثبت صلاحية القرآن للعقل البشري علي مر العصور والأزمان. ويتأكد أيضًا أن القرآن مهيمن علي العلم. ومِن ثَمَّ فهو يقود ولا يقاد. وبناءً عليه. فإن علي العلم - العلم الكوني - أن يثبت نفسه في القرآن. وأنعم بتلك الشهادة للعلم. كما لا ينبغي أن نجرَّ العلم جرًّا» ليمسك بتلالبيب الآية القرآنية. وقديمًا قال العلماء: إن وافق العلم ظاهر الآية القرآنية أخذنا به. وأن خالفه رَددناه. وصحيح العلم لا يتعارض مع صريح النقل. ولذا فإن حقائق العلم المتفق عليها لا يمكن إطلاقًا إلا أن تتفق مع النص القرآني. ومن الخطأ الجسيم أن تتعارض حقائق العلم الكوني مع حقائق القرآن ذات الصلة. ويتأتي التعارض فقط من طريق الخطأ. والخطأ الذي أعنيه إنما يتمثل في أمرين اثنين» إما من قصور في فَهم النص القرآني المبرأ من الاختلاف. أو من عدم إدراك الحقيقة القرآنية. لنأخذ علي ذلك مثلاً مفهومَ الذرة في القرآن والعلم الحديث: فحينما لم يكن معروفًا للأقدمين لفظ الذرة الحقيقي. فقد اعتبروها الهباءة أو الدودة الحمراء الصغيرة جدًّا. ولم يَفطَنوا إلي أن القرآن قد ذكر أن الذرة موجودة في السموات والأرض. ومِن ثَمَّ فإن تفسيرهم للذرة بالدودة الحمراء الدقيقة يعد خطأً لسبب يسير. وهو أنه إلي الآن لم يثبت وجود حياة خارج نطاق الأرض. والدودة الصغيرة كائن حي. ومن بعد الأقدمين جاء اللاحقون يفسرون الذرة علي أنها الجوهر الذي لا ينقسم. ومِن ثَمَّ فهي أصغر وحدة في الوجود. وحديثًا اكتشفت الذرة ومكوناتها. وثبت وجود ما هو أصغر من الذرة. هنا يتجلي الإعجاز القرآني في الإشارة إلي انقسام الذرة. ويصبح مفهوم الذرة الحديث صحيحًا عند عرضه علي آيات القرآن التي وردت فيها كلمة الذرة. وبالتال لم يعد هناك تعارض بين الذرة في النص القرآني الإلهي والنص العلمي الصحيح. وهنا علِمنا نبأ القرآن عن الذرة بعد حين من نزول النص القرآني» حيث يذكر القرآن أن للذرة مثقالاً. وأن المثقال مثاقيل. وأنه يوجد ما هو أصغر من الذرة. يتضح ذلك من عرص جميع الآيات ذات الصلة في قوله تعالي: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةي وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا" "النساء: 40". وقوله تعالي" وَمَا تَكُونُ فِي شَأْني وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآني وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلي إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةي فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابي مُبِيني" "يونس: 61". "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَي وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةي فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابي مُبِيني" "سبأ: 3". "قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةي فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكي وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيري" "سبأ: 22". "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةي خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةي شَرًّا يَرَهُ" "الزلزلة: 7. 8". هنا نري أن من الإنصاف أن يبدأ التأريخ لعصر الذرة بالنصوص القرآنية ذات الشأن. ويتضح بجلاء أن التعريف الصحيح للإعجاز العلمي للقرآن الكريم هو الترجمة الحقيقية لآية ذكرت مرة واحدة في القرآن في قوله تعالي: "وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِيني" "ص: 88". ومن عجيب القرآن أن هذه هي خاتمة سورة "ص" التي مطلعها ذكر للقرآن» حيث يقول تعالي:"ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةي وَشِقَاقي" "ص: 1. 2".