تحدثنا في أعداد مسابقة عن المحطات الإيمانية للرحمة والمغفرة.. وفي هذا العدد نصل إلي المحطة الرابعة وهي بمثابة الأعمدة الربانية التي أقام الله تعالي عمارته للرحمة والمغفرة أمام عباده عليها. فلا ينظر العبد من بعيد إلا إلي العمارة بنفسها ولكنه حينما يصل إليها يجد أن العمارة مقامة علي أربعة أعمدة. وبعبارة أخري علي أربعة أنواع من الأخطاء سمح الله لعباده بارتكابها وسمح لهم بدخول العمارة والتمتع بنعمة الرحمة والمغفرة رغم ارتكاب هذه الأخطاء في هذه الحالات الأربعه التي نتحدث عنها هنا كمحطة رابعة من محطات الرحمة والمغفرة دون يأس أو قنوط من هذه الرحمة والمغفرة بفضل الله.. وهذه الحالات الأربعه للرحمة والمغفرة وبعبارة أخري للأخطاء التي لا تحول بأمر الله بيننا وبين الرحمة والمغفرة هي: أولاً: أن يكون الإنسان قد ارتكب الخطأ في حياته دون أن يعلم أنه خطأ.. أي أن يكون قد ارتكب الخطأ وهو مصاب بجهالة.. والجهالة هنا لا تعني الجهل أو الأمية فقد يكون الإنسان حاصلاً علي أعلي درجات من العلم والثقافة والمعرفة ولكنه في موقف معين لا يدرك أن الخطأ خطأ وهنا يمكن القول عنه برغم علمه الواسع في مجالات اهتمامه.. أنه "مصاب بجاهلة" .. وقد يكون الانسان أميا لا يقرأ ولا يكتب ولكنه يتمتع بعقل سليم وخبرة حياة في مجاله ويعلم أن هذا الشئ خطأ بينما العالم بالنسبة لهذا الشئ مصاب بجهالة وأن الأمي الذي يدرك أن هذا الشئ خطأ يعتبر أعلم من العالم فما يعلمه هو لا يعلمه العالم..!!. ثانياً: أن يكون الإنسان علي علم بأن الخطأ خطأ ولكنه قت ارتكابه هذا الخطأ كان ناسيا أنه خطأ.. وهنا يكون الخطأ مشمولاً بالرحمة والمغفرة بمشيئة الله.. ويلاحظ هنا في"أولاً" و "ثانياً" أن الإنسان اذا تذكر أنه قد ارتكب الخطأ في اي من هاتين الحالتين أو فيهما معا فإن عليه بالتوبة النصوح والندم وكثرة الاستغفار والإصرار علي عدم العودة إلي الخطأ.. وان لم يتذكر الإنسان أنه قد ارتكب هذا الخطأ أو ذاك فإن الله تعالي يشمله بالرحمة والمغفرة تفضلا منه ونعمة لأنه سبحانه وتعالي كتب علي نفسه الرحمة ولأن رحمته جل شأنه قد شملت كل شيء في هاتين الحالتين أما الحالات الأخري التي لا ينفذ المرء فيها أمر الله بفعل الخير والاقلاع عن الخطأ ولا يحذر نفسه من نصوص الحساب والعقاب قبل أن يتعشم في الرحمة والمغفرة فإنه لا يضمن أن يشمله الله بالرحمة والمغفرة.. والله اعلم. ثالثاً: ان يرتكب الإنسان الخطأ وهو يعلم أنه خطأ ولكن مع التدقيق ومحاسبة النفس قبل ارتكاب الخطأ عن المبررات المنطقية أو الاستثنائية لارتكاب لا تركاب الخطأ.. وهنا نجد أن هذه المبررات يمكن أن تكون منطقية في هذه الحالة الثالثة اذا كان الانسان الذي ارتكب أو يرتكب الخطأ مضطراً مع ملاحظة أن الاضطرار وهنا سيجد أنه لابد أن يكون "مضطرا غير باغ ولا عاد لما أمرنا الله تعالي بهذا التدقيق علي هذا النحو أي أن يكون الاضطرار لارتكاب الخطأ دون بغي أو عدوان علي حقوق الآخرين وإلا فإن الاستثناء وهو الاضطرار اذا زاد عن حده انقلب إلي ضده "كما قال المثل الشعبي بخبرة القدامي من الأجداد والسلف الصالح.. فالاستثناء المشروع هنا سبب للرحمة والمغفرة رغم الخطأ فيه ولكنه إذا زاد عن حده انقلب إلي ضده بمعني أنه والعياذ بالله يكون مدخلاً إلي جهنم..!!. رابعاً: أما الحالة الرابعة لارتكاب الخطأ بارتكابه مع شمول المخطيء بالرحمة والمغفرة تفضلا من الله ونعمه أن يرتكب الانسان الخطأ وهو مكره علي ارتكاب الخطأ إلا أن الإكراه هنا وان كان في الغالب يحدث بقوة قهرية لا يستطيع الانسان أن يتحكم فيها أو يمنعها ليس عذرا مطلقا لارتكاب الخطأ مع العشم الكامل في الرحمة والمغفرة لأن المخطئ هنا لابد أن يكون ممن قال الله فيهم "إلا من اكره.. وقلبه مطمئن بالايمان..!!.. ومعني ذلك أن الاكراه يتم فرضه علي المخطئ لارتكاب الخطأ بقوة قهرية ولذلك تكون قوته هنا قوة معنوية من داخله هو وهي "اطمئنان قلبه بالإيمان الأعلي" كأن يقع شخص ما أسيرا في قبضة أعدائه وأعداء الله فيصوبون السلاح نحو رأسه وهم يطلبون من الكفر بالله والعياذ بالله ومؤمن بقضية لابد أن تكون عادلة وليست لتحقيق مصلحة شخصية أو عنصرية ضد المصلحة العامة للبشر والسلاح مصوب نحو رأسه ولا يستطيع له دفعا فإن استسلم لقضاء الله ورفض الاستجابة لما يتم إكراهه عليه وتم قتله فعلاً فهو شهيد بمشيئة الله اما إذا كان قلبه مطمئن بالإيمان ولديه يقين بأنه اذا نجي من الموت في هذه المرة فإن الله قد يهيئ له فرصة النجاة الكاملة من جبروت العدو ويكون هو بعد ذلك من أسباب تحقيق النصر علي العدو.. ففي هذه الحالة يمكن أن يعلن استجابته لما يتم اكراهه عليه حتي وإن كان النطق بكلمة الكفر بالله فينطقها وهو مطمئن إلي قوة إيمانه بالله ولا تثريب عليه في ذلك وقد يكون هذا الشخص بعد ذلك بفضل الله وتوفيقه من أسباب النصر علي عدوه وعدو الله.. والله أعلم..!!.