ها نحن الآن.. في المحطة الثالثة للرحمة والمغفرة وهي من وجهة نظرنا المتواضعة أصعب محطة يمكن أن يمر بها الإنسان في حياته ووجه الصعوبة فيها أنها ليست محطة عابرة في نقطة معينة من طريق طويل يمكن أن يتم عبورها مرة واحدة ثم يتم نسيانها. وإنما هي محطة يتكرر عبورها في كل موقف من آلاف المواقف التي يمر بها الإنسان يومياً في حياته علي المستوي الفردي والجماعي الشخصي والرسمي وبالتالي فإن الحرص علي عبورها بنجاح يجعل منها دستوراً إلهياً دائماً للعمل في حياة الإنسان المؤمن بالله لأن هذه الحياة ليست عبادة فقط كما يفهم البعض فهماً يجانبه الصواب كثيراً في قول الحق سبحانه وتعالي بعد الاستعاذة به من الشيطان الرجيم "ما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون" حيث يعقتد الكثيرون أن الغرض من الخلق هو العبادة فقط وهذا اعتقاد يجابنه الصواب كثيراً لأن الإنسان ليس مخلوقاً للعبادة فقط وإنما إذا كان الغرض من الخلق هو العبادة فإن الغرض من العبادة هو التقوي والتقوي ليست مطلوبة في جانب العبادات وحده وإنما هي مطلوبة علي الدوام في كل لحظة من لحظات حياة المؤمن بالله في جانب المعاملات قولاً وفعلاً لأداء الرسالة التي خلقه الله من أجلها في هذه الحياة..!! وهنا نجد مدي أهمية المحطة الثالثة من محطات الرحمة والمغفرة علي هذا الأساس حيث وضع الله تعالي لنا دستور عمل إلهي في هذه المحطة عبارة عن أربعة اختبارات لابد أن ينجح الإنسان المؤمن بالله في اجتيازها اختبار فور الآخر في كل موقف من مواقف حياته في جانب المعاملات..!! وهذه الاختبارات الأربعة وردت علي سبيل الحصر في آية قرآنية واحدة هي الآية رقم "110" من سورة النحل حيث يقول جل شأنه بعد الاستعاذة به من الشيطان الرجيم: "ثم أن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا.. إن ربك من بعدها لغفور رحيم"!! .. ولأن القرآن الكريم مليء بالكنوز التي يفتح الله بها واحدا بعد الآخر علي من يشاء من عباده منذ نزول القرآن علي النبي صلي الله عليه وسلام وإلي يوم الدين فإنني ولست مفسراً للقرآن الكريم إلا أنني أحمد الله تعالي الحمد الذي نرجو أن يتقبله الله من الجميع بما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه حيث من علينا بالكشف عن هذا الكنز القرآني العظيم كما حددت معالمه الآية الكريمة رقم "110". ذلك أن المعني الذي فتح الله به علينا منذ سنوات قليلة عقب عودتنا من رحلة الحج الذي نرجو أن يكون مقبولاً بفضل الله في أوائل سنة 2003 حيث وجدتا في تلك الآية العظيمة أربعة اختبارات ربانية لابد من اجتياز المؤمن بالله لها جميعاً بنجاح في طريق الرحمة والمغفرة وهذه الاختبارات المتكررة يومياً في حياتنا هي: 1 مقاومة فتنة الدنيا.. وفتنة الدنيا هنا في جانب المعاملات لا تعني الاخطاء الكبيرة من المعاصي والكبائر والموبقات وإنما هي الخطأ الذي يعلم الإنسان أنه خطأ بعقل قد أنعم الله به عليه ومهما كان هذا الخطأ صغيراً باعتبار أن الاصرار علي الصغيرة كبيرة طالما لا يوجد مبرر مشروع لارتكاب هذا الخطأ..!! 2 الهجرة الفورية من الخطأ إلي الصواب.. من الباطل إلي الحق من الفتنة إلي ما ليس فيه فتنة.. من الفطرة إلي التعقل والاحساس بهيبة الله.. من الكفر إلي الإيمان.. ومعني ذلك أنه لا يجوز تعليق الإنسان قدرته الي الاقلاع عن كل ذلك من سلبيات علي مشيئة الله وإنما لابد من الاقلاع عن الخطأ فور إدراك أنه أخطأ مع حمد الله علي أنه قد أدرك أن الخطأ خطأ ومع حمد الله علي الاقلاع الفوري عن هذا الخطأ لأنه الله قد أخفي ما يخص كلا منا من مشيئته جل شأنه من الصواب والخطأ وأكرمنا جميعاً بعقول تنبه كلا منا إلي أن الصواب صواب والخطأ خطأ قبل الاقدام علي هذا وقبل العدول عن ذلك فمن يختار الصواب يبارك له فيه ومن يختار الخطأ يفرقه الله فيه ويكون الإنسان في الحالة الأخيرة والعياذ بالله ممن يذرهم الله "في طغيانهم يعمهون"..!! 3 جهاد النفس.. الذي هو أصعب من جهاد الحرب.. فهذا هو الاختبار الثالث الذي لابد أن يحرص المؤمن بالله علي اجتيازه بنجاح حيث يقلع الإنسان عن التدخين مثلاً "احساسا بهيبة الله" فيشعر بتعب معين "جهاد النفس!!" وحيث يسعي الإنسان إلي الرزق الحلال فيشعر بتعب من نوع آخر "جهاد النفس".. وهكذا!! 4 الصبر علي النتائج.. وهذا هو الاختبار الرابع الذي يواجهه الإنسان المؤمن بالله كلما أدرك بالفعل الذي أنعم الله به عليه أن هذا الصواب وهذا خطأ فإن اختيار الصواب كانت النتيجة خيراً بأمر الله وأن اختار الخطأ كانت النتيجة بما يستوجب حساب الله وعقابه في الدنيا والآخرة أو بما يكون معه الرزق رزق إنسان لا يؤمن بالله والعياذ بالله.. وتفاصيل ذلك ستأتي في "المحطة الخامسة" من محطات الرحمة والمغفرة بمشيئة الله.. وهكذا نجد أن الآية رقم "110" من سورة النحل بعد أن عرضت لنا دستور العمل الإلهي في جانب المعاملات من العقيدة الإيمانية في هذه الاختبارات العملية الأربعة التي عرضنا لها الآن بفضل الله وردت في الترتيب القرآني نجد أن هذه الآية الكريمة تختتم ختاماً تقشعر له جميع الأبدان حيث قال جل شأنه في ختام الآية الكريمة "إن ربك من بعدها لغفور رحيم"..!! ونحن نري من وجهة نظرنا المتواضعة أن يحذر الإنسان المؤمن بالله نفسه من هذا الختام القرآني الكريم لهذه الآية الكريمة حيث جمع الله تعالي والله أعلم كل معاني ونصوص الرحمة والمغفرة في هذا الختام الرائع "إن ربك من بعدها لغفور رحيم" وكانت تلك الاختبارات الأربعة هي الشروط الموضوعية لاستحقاق الرحمة والمغفرة في الدنيا والآخرة لمن وصل إليه هذا المعني الآن لهذا الدستور الإلهي في جانب المعاملات من العقيدة الإيمانية حيث إن وصول المعني لمن يصل إليه دليل علي حب الله لمن وصل إليه فإن التزم المعبد بما وصل إليه كان جدير بحب الله ورحمته وأن لم يعمل بما علم إلا في الحالات التي حددها الله للأخطاء المسموح بارتكابها كما سنعرض لها في حديثنا التالي بمشيئة الله فلا مغفرة له والله أعلم بينما لا يصل إليه المعني قد يفغر الله له الكبائر والموبقات زادنا الله علما ومنحنا جميعاً القدرة علي العمل بما علمنا.. آمين.