أزمة السولار تجتاح محطات البنزين تتصاعد حدة أزمة الوقود في الشارع المصري، خصوصا مع اقتراب شهور الصيف، ورغم مساعي الحكومة لتفادي تفاقم الأزمة إلا أن الأوضاع ما تزال تراوح مكانها، لأن يد الحكومة مغلولة بسبب نقص النقد الأجنبي اللازم لاستيراد احتياجات البلاد من المحروقات، لذلك تبدو الأزمة في طريقها للتصاعد وتداعياتها في التوالي، فالوقود يدخل في العديد من الأنشطة التي تؤثر علي حياتنا وتتجلي في جميع مظاهر الحياة، فالعديد من القطاعات الاقتصادية مهددة بالتوقف بسبب نقص الوقود. الحكومة حاولت حل الأزمة علي أكثر من مستوي، فكانت زيارة الدكتور هشام قنديل، رئيس الحكومة، لدولة العراق الشقيقة مطلع هذا الشهر، من أجل التوصل إلي اتفاقية حول مد بغداد القاهرة باحتياجاتها من الوقود، وهو ما تم بالفعل من خلال الاتفاق علي مد أنبوب نفط عراقي عبر الأردن وميناء العقبة إلي مصر من أجل تكريره في المصافي المصرية، واستخدام جزء من ناتج التكرير لتلبية احتياجات السوق المحلية، والباقي يُعاد تصديره إلي العراق، بالإضافة إلي قيام العراق بتزويد مصر ب 4 ملايين طن بترول شهرياً، مع تأجيل السداد لمدة تسعة أشهر. كما تسعي الحكومة لاستئناف المحادثات مع صندوق النقد، للحصول علي قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار تم الاتفاق عليه من حيث المبدأ في نوفمبر الماضي، وهي أموال تأمل الحكومة أن تعطي مصر دفعة اقتصادية تخرجها من كبوتها الحالية ، كما يمكنها من استيراد الاحتياجات الضرورية من الوقود، فضلا عن مساعي الحكومة ممثلة في وزارة التموين تشديد الرقابة علي الأسواق لمنع تهريب البنزين والسولار خصوصا مع حديث متواتر عن عمليات ضخمة لبيع كميات من الوقود في السوق السوداء، فضلا عن التهريب إلي غزة التي قامت قوات الجيش المصري بتدمير شاحنة وقود قبل تهريبها إلي غزة، وأطاحت أزمة السولار الحالية برئيس أكبر شركة حكومية منتجة ومستوردة للوقود وهي شركة مصر للبترول، بقرار من وزير البترول المهندس أسامة كمال. تحركات الحكومة لم تنجح في القضاء علي الأزمة، التي بدأت تدق الأبواب بقوة وتنتشر في مدن مصر وقراها كالنار في الهشيم، فالحكومة مطالبة بمزيد من الجهد لتوفير الوقود، الذي بات نقص المعروض منه يشكل خطرا علي الجميع وينذر بأزمات متفاقمة في عدد من القطاعات الحيوية التي تهم الجميع، وتعاني مصر من أزمة وقود متفاقمة في ظل تصدير البترول الخام إلي الخارج، فمصر تعد أكبر منتج للنفط في أفريقيا خارج منظمة أوبك، ويبلغ إنتاجها من البترول حاليًا حوالي 700 ألف برميل يوميًا ما يساوي معدل استهلاكها تقريبًا، لكن بيانات البنك المركزي أكدت أن مصر أنفقت نحو 9.7 مليار دولار علي واردات المنتجات البترولية في العام المالي الحالي حتي نهاية يونيو 2012 بزيادة حوالي 2.8 مليار دولار عن العام 2011. الأجرة حسب المزاج التداعيات الأولية لنقص الوقود تجلت في اتجاه سائقي الميكروباص والأجرة رفع تعريفة التوصيل دون ضابط ولا رابط، فعلي سبيل المثال لجأ سائقو التاكسي الأبيض إلي حيلة الادعاء بأن العداد لا يعمل، من أجل زيادة الأجرة بداعي أن أسعار البنزين التي تم تقدير إجمالي الأجرة علي أساسها تغير وزاد، لذلك يلجأون إلي إغلاق العداد حتي يحصلوا علي ما يرونه حقهم من وجهة نظرهم. أما سائقو الميكروباص خط ميدان لبنان- مدينة نصر فقد رفع الأجرة من 3 جنيهات إلي 5 جنيهات مرة واحدة، فيما فضل السائقون في خط فيصل- إمبابة، تقسيم الخط علي ثلاث مراحل تكلفة المرحلة جنيه واحد، وبذلك يدفع المواطن المقهور ثلاثة جنيهات بدلا من جنيه واحد. وفي المنوفية وقعت اشتباكات حادة بين المواطنين وعدد من السائقين، بعد أن رفعوا الأجرة من 75 قرشا إلي جنيه واحد، فيما رفع البعض الآخر في خطوط المحافظة المختلفة الأجرة من جنيه إلي 1.5 جنيه بسبب نقص البنزين، وهو ما لم يختلف في القليوبية، التي رفع السائقون في خطوط المواصلات الداخلية للمحافظة، فضلا عن خطوط المواصلات التي تربط القليوبية بالمحافظات المجاورة. ولم يختلف الوضع في محافظات الصعيد التي تشهد أزمة حادة في نقص الوقود، وسط اتهامات أهالي الصعيد للحكومة بعدم العدل في توزيع حصص الوقود بين محافظات الصعيد والقاهرة ومدن الدلتا، وأن محافظات الصعيد تتعرض لظلم بين والادعاء بأن الحكومة تقلص حصص الصعيد لصالح الحكومة. ويقول أحمد جلال- سائق ميكروباص- رفعنا الأجرة نتيجة ارتفاع سعر البنزين لأننا نشتريه من السوق السوداء، لأن محطات الوقود تشهد زحاماً مستمراً منذ الصباح وحتي ساعات متأخرة من الليل، والأزمة تزداد دون أن يكون هناك أيّ حلول من جانب المسئولين، واستغل "التجار" هذه الأزمة وارتفع سعر الجركن إلي 50 جنيها بدلاً من اثنين وعشرين جنيها، وهو ما يجبرنا علي رفع الأسعار خصوصا أن أسعار حياة المعيشة زادت. وشدد رمضان خليل سائق تاكسي علي أن سائقي التاكسي في مصر مظلومون، لأنهم يسعون إلي تسديد الأقساط المستحقة عليهم فضلا عن توفير الحاجات الأساسية للحياة، وأضاف: "المشكلة كبيرة وعلي المسؤولين نقلها للرئيس مرسي لكي يتدخل شخصيا، فوزير البترول ينكر الأزمة ويقول إنه لا أزمة في البنزين وأن كل شيء تحت السيطرة، فعلي الرئيس مرسي أن يقود بنفسه عمليات الرقابة علي الأسواق ومحاربة التجار الجشعين الذين يهربون الوقود ويبيعونه في السوق السوداء بأضعاف الأسعار. ظلام قطاع الكهرباء، يعاني هو الآخر من تداعيات نقص الوقود وسط توقعات بموجة من انقطاع الأنوار عن شوارع القاهرة والمحافظات بصورة غير مسبوقة، وأن أزمة العام الماضي رغم قسوتها مرشحة للتزايد والتفاقم هذا العام، مع اعتراف الحكومة بصعوبة الموقف، عقد وزيرا الكهرباء والطاقة المهندس أحمد إمام، ووزير البترول المهندس أسامة كمال اجتماعا موسعا، الأحد الماضي، لمسئولي قطاعي الكهرباء والطاقة، لمناقشة أزمة نقص وقود محطات إنتاج الطاقة. وجري اللقاء في ضوء إدراك الحكومة لعمق الأزمة التي تواجهها الحكومة لتوفير الطاقة بأشكالها كافة، وإيجاد الحلول اللازمة للخروج من الأزمة قبل حلول شهور الصيف، خصوصا مع إعلان عدد من شركات إنتاج الكهرباء عن حاجتها للغاز الطبيعي اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، لتغطية العجز في القدرات المتاحة بالشبكة القومية للكهرباء. موسم الحصاد.. في خطر المواصلات ليست القطاع الوحيد الذي تأثر بأزمة الوقود، فالقطاع الزراعي تأثر سلبا، مع اقتراب موسم الحصاد خاصة أنه يستخدم في الإنتاج الزراعي بصورة أساسية في تدوير ماكينات الري، والانخفاض في حجم الإنتاج سيكون عاليا جدا، فضلا عن ارتفاع تكاليف النقل بصورة كبيرة، وتكدس في مواقع الإنتاج، مما سيؤدي إلي تلف في المحاصيل المختلفة، وبالتالي عدم توافر الغذاء بصورة كافية، وقد تمتد موجة التأثير إلي العقود التصديرية إذا تفاقمت الأزمة. وفرضت شركات نقل البنجر وقصب السكر بمصر زيادة علي أسعار تعاقداتها مع شركات السكر بنسبة 20٪ هذا الأسبوع، لمواجهة ارتفاع أسعار السولار بالسوق السوداء، بعد أن ضربت أزمة الوقود المحافظات بشكل مأساوي. من جهته، قال محمد عبدالقادر، نقيب الفلاحين، ل"آخر ساعة" إن أزمة السولار تهدد موسم الحصاد، خاصة محصولي القمح والقصب، ما يعني فقدان مصر لمخزونها من القمح والسكر، فالفلاحون يعانون من نقص السولار لتدوير ماكينات الري، ما سيؤدي إلي معارك طاحنة بين الفلاحين وبعضهم البعض، من أجل الحصول علي حصتهم من الوقود، وسيلجأون إلي السوق السوداء من أجل شراء السولار حتي ولو بضعف ثمنه. وأضاف عبد القادر أطالب بوضع خطة عاجلة لتوفير الوقود اللازم لتشغيل آلات حصاد القمح ودرسه، التي إذا ما وصلت إليها أزمة نقص الوقود فقد تهدد موسم القمح كله بالتوقف وضياع الموسم كله وشقي الأيام علي الفلاحين، وقتها قد يخرج الفلاحون للمطالبة بحقوقهم المهدرة.