كان محمد نوح بلدياتي. جاء من دمنهور، عاصمة المحافظة التي ولدت في قرية الضهرية، مركز إيتاي البارود. إحدي مراكز البحيرة. لكني تعرفت عليه في القاهرة. في أحد المقاهي بباب اللوق. كلانا جاء لتوه من ريف مصر. هو من مدينة وأنا من قرية. ورأيت اندفاعه وحسه الوطني، وقدرته علي أن يكون المتحدث الوحيد في جلستنا التي طالت وما طالت. كنا نمر بالأيام الفاصلة بين نكسة يوليو ويقظة أكتوبر. وكان سؤال الوطن سؤال الساعة الأساسي. الذي لا مهرب منه ولا مفر من طرحه. ما أشبه اليوم بالبارحة. ولا بد أن يصبح سؤال مصر سؤال الوقت الراهن. يسبق أي سؤال آخر. ويصبح البحث عن إجابة له قبل أي بحث يقوم به الإنسان. كان محمد نوح يمتلك سيارة شعبية صغيرة. لست متأكداً إن كانت رمسيس أو شبيهة لها. وآخر الليل يصر علي أن يوصلنا جميعاً لبيوتنا. وهكذا رأيت القاهرة النائمة في بعض أحيائها، والساهرة في البعض الآخر معه وهو يقوم بتوصيل كل من كانوا يجلسون في المقهي من المثقفين. والذين وسعتهم سيارته الصغيرة. الرحبة المتسعة التي وسعت لنا جميعاً برغم صغر حجمها. لا أجد أفضل من كلمات الأغنية التي كتبها شاعر المنصورة، إبراهيم رضوان، الآن لكي نلتف حول مصر وقائد مصر ورئيس مصر، الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي ما زلت أعتبره برغم كل المشاكل والهموم التي تحاصرنا أمل مصر ربما الوحيد. ولا بد أن نقف معه إذا كنا نريد أن نقف مع مصر في مواجهة ما يخطط لها، وما يراد بها، وما قد ينتظرها. وأحلم أن تخرج منه منتصرة رافعة رأسها، مؤكدة وجودها. لأنه دائماً وأبداً في آخر لحظات الليل ينبثق الفجر. وعلينا أن نتمسك بالفجر وأن نحرص عليه. وأن نسعي إليه، وأن نعتبره قدرنا الذي لا قدر سواه أمام مصر وأمامنا. والآن إلي الأغنية التي التفت حولها الأمة المصرية في تلك الأيام المجيدة، أيام أكتوبر العظيمة. مثلما التفت الأمة المصرية حول أغاني سيد درويش في ثورة 1919، وعبد الحليم حافظ في 1956، و1967. ها هو نشيد الإنشاد سواء بكاتبه إبراهيم رضوان، أو ملحنه ومغنيه محمد نوح. وقبلهما وبعدهما شعب مصر العظيم. الذي أثبتت الأيام والليالي أنه أعظم من العظمة وأبقي من البقاء وأجل من الإجلال. تعالوا ننحني لهذا الشعب ونذكره بأمجاده التي يحاولون محوها، أو التقليل منها، أو النظر إليها كما لو كانت لم تحدث: مدد وشدي حيلك يا بلد إن كان في أرضك مات شهيد فيه ألف غيره بيتولَد بُكره الوليد جاي من بعيد راكب خيول فجره الجديد يا بلدنا قومي واحضنيه ده معاه بشاير ألف عيد قومي انطقي وسيبك بقا من نومة جوا في شرنقة ده النصر محتاج للجَلَد ومدد.. مدد.. مدد لو كان في قلبك شيء قوليه الحزن هيفيدك بإيه يا سكة مفروشة بأمل مشوارنا حُطّوا العزم فيه يا بلدنا سيبك م الدموع قومي اقلعي توب الخضوع ده الحق لسه بيتجلد ومدد مدد.. مدد مدد مدد مدد.. مدد مدد.. شدي حيلك يا بلد إن كان الإنسان يشعر بالحاجة لوطنه. فإن الوطن رغم تاريخه العظيم ودوره الباهر في تطور البشرية في أمس الحاجة لأبنائه. أن يعتبر كل واحد منهم أنه في مهمة دفاع عن بلاده. صحيح أن العدو مختلف. لكن المعركة مصيرية وشرسة ومهمة. وعلينا جميعاً. علي كل منا أن يعتبر أنه في حالة دفاع، ليس عن النفس. ولكن عن الوطن الذي هو أبقي من الجميع. نأتي وهو موجود، ونمر به وهو موجود. ولا بد أن نلوح له بمناديل الوداع وهو موجود. وجوده مصيري، وقدري ليس بالنسبة لنا. ولكن للأجيال الآتية، وللبشرية جمعاء. لا تنسي قارئي العزيز أن تنشد هذا النشيد لنفسك في كل اللحظات الآتية. نحن في أمس الحاجة إليه، وهو في أمس الحاجة إلينا. ومصر التي لا مصر إلا مصر، تحتاجه الآن وغداً وبعد الغد، وفي كل الأزمنة الآتية. أزمنة الصبابة والوجد. أزمنة البهجة والأمل. أزمنة الأمل والعمل. أزمنة كن فيكون. أزمنة كل كائن لا بد أن يكون.