جامعة الدلتا التكنولوجية تطلق مبادرة شغلنى لخريجى برنامج «الأوتوترونكس»    رئيس برلمانية مستقبل وطن: نحتاج لجهود أكبر لدعم الاستثمار    رئيس "تنظيم الاتصالات": تدبير قيمة رخص الجيل الخامس بالدولار من الخارج    تحالف العمل الوطني وموانئ دبي العالمية ينظمون فعاليات وأنشطة متميزة بالأقصر    وزير الخارجية يحذر من خطورة التوغل البري الإسرائيلي جنوب لبنان    «القاهرة الإخبارية»: إسرائيل تستعد لتنفيذ عملية برية جديدة بلبنان    أحدهم ينافس على صدارة الدوري.. نظرة على منافسي الزمالك في الكونفدرالية    برشلونة يوضح إصابة فيران توريس    مباراة السعودية ضد اليابان في تصفيات كأس العالم.. الموعد والتشكيل والقنوات الناقلة    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل طفل شبرا الخيمة لجلسة الأربعاء المقبل لفض الأحراز    الأرصاد: انخفاض في درجات الحرارة وأمطار غزيرة تصل لحد السيول    دفع حياته ثمنًا ل«دش التلفاز».. مصرع عامل بالشرقية    السجن المشدد 10 سنوات لمتهم بخطف شاب والتعدي عليه في الشرقية    هيئة الكتاب تواصل فعالياتها الثقافية بمعرض دمنهور ال7    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم «جنين» وقرى مجاورة لها    تقنية «mRNA» تقود العالمين فيكتور وروفكون للفوز بجائزة نوبل للطب بعام 2024    مرشح "الأوقاف" في مسابقة ماليزيا للقرآن الكريم يُبهر المشاركين والمحكمين    بعد مرور عام على حرب غزة.. وزير الصحة: استقبلنا 1900 مصاب فلسطيني    سيد معوض: الكرة المصرية تعاني من أزمة في الظهير الأيسر    بوكا جونيورز ينهي مسلسل هزائمه في الدوري الأرجنتيني    أسعار النفط تقفز 2.2% وسط ترقب للرد الإسرائيلي على إيران    رئيس جامعة النيل يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى 51 لنصر أكتوبر المجيد    محافظ الغربية يفتتح مدرسة كفر حشاد الرسمية للغات بكفر الزيات    حزب الله: هاجمنا شمال حيفا بوابل صواريخ    إصابة طالبة سقطت من الدور الثالث في مدرسة بقنا    مسؤول صيني رفيع المستوى: علاقاتنا مع مصر تعيش أفضل فترة في التاريخ    روسيا تؤكد إسقاط 21 مسيرة أوكرانية    «عروض فنية وهتافات».. 10 صور ترصد احتفالات «مدارس قنا» بذكرى انتصارات أكتوبر    8 مطربين لبنانيين يجمدون حفلاتهم بسبب أحداث بيروت (تقرير)    عن نتنياهو.. باسم يوسف يطرح كليب ساخر بعنوان "محاكمة النتن" |فيديو    اليوم.. وزارة الثقافة تطلق أسبوعا مكثفا للشباب بسوهاج ضمن مبادرة "بداية"    افتتاح ورشة عمل عن إنتاج أصناف الأرز الأكثر إنتاجية في مواجهة التغيرات المناخية    الزراعة: تخريج 14 أفريقيًا في برنامج تدريبي عن التغيرات المناخية    جامعة بنها تنظم قافلة طبية لأمراض العيون بقرية امياى بطوخ ضمن "بداية"    متاحة الآن.. نتيجة مسابقة المعلمين 2024 عبر الموقع الرسمي (رابط التظلمات)    بدء تلقي طلبات الترشح لانتخابات التجديد النصفي لفرع نقابة الصحفيين بالإسكندرية -صور    عام على غزة.. 10 آلاف مريض سرطان يواجهون الموت وبحاجة للعلاج بعد تدمير المستشفى الوحيد    إعادة هيكلة الشركة المصرية كمشغل مستقل لمنظومة نقل الكهرباء    صدمة علي معلول بسبب قرار الأهلي    تفاعل كبير مع احتفالية المركز القومي للمسرح بذكرى انتصارات أكتوبر    المنطقة الشمالية العسكرية تطلق المرحلة الثالثة من حملة «بلدك معاك» لدعم الأسر الأولى بالرعاية    نص التحريات في قتل ابن السفير ب الشيخ زايد: «المتهمان بادرا بصعقه ثم تحققا من موته وتمكنا من سرقة منقولاته»    ضبط سيدة استولت على 2.5 مليون جنيه من 18 شخصًا في سوهاج    وزير الشباب والرياضة يبحث الفرص الاستثمارية وتسريع وتيرة تطوير الإنشاءات    نائب وزير الصحة والسكان يتفقد مستشفى المنيرة العام ويوجه بصرف مكافأة مالية    وزير الصحة: نطور أدائنا حتى لا ينتقص حق المواطن المصري من خدمات صحية    الهيئة الإنجيلية تشارك في معرض "إكسبو أصحاب الهمم" بمركز دبي التجاري    البرلمان يحيل 19 اتفاقية دولية إلى اللجان النوعية المختصة    هل كل ما يفكر فيه المسلم يحاسب عليه؟.. «الإفتاء» تجيب (فيديو)    «دردشة خانه فيها التعبير والدنيا اتقلبت».. شوبير عن أزمة القندوسي في الأهلي    أشرف سنجر: مصر تدافع عن شعب أعزل سواء الفلسطيني أو اللبناني    حملات مكثفة لرصد المخالفات بمحاور القاهرة والجيزة    كيف رد الشيخ الشعراوي على شكوك الملحدين في وجود الله؟.. إجابات تزيل الحيرة    «الرعاية الصحية ببورسعيد»: التأمين الشامل قدم أكثر من 17 مليون خدمة طبية    قائد الحرس الثوري الإيراني: ملتزمون باستراتيجية عدم التسرع في الرد على تحركات العدو    الدكتور حسام موافي ينتقد الإسراف في حفلات الزفاف: "ستُسألون عن النعيم"    «الإفتاء» توضح طريقة الصلاة الصحيحة لمن يسهو في الركعات بسبب المرض    أحد أبطال أكتوبر: دولة الاحتلال لن تستطيع مواجهة مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر الكبير إبراهيم رضوان في حواره مع »الأخبار«:
ليس بيني وبين الإخوان عداوة.. فقد زاملتهم في السجون
نشر في الأخبار يوم 12 - 08 - 2012

حادث رفح صفعة علي وجه گل مصري ويجب ألاّ نتقبل العزاء إلا بعد الثأر للشهداء
وصلنا إلي شط الانتحار بعد أن أقمنا مليون منصة
ما يحدث في الشارع وعلي شاشات التليفزيون ومن القوي السياسية لا يبشر بالخير
يكتب مايقتنع به دون أي حساب للعواقب أو التوازنات ..دفع ثمنا باهظا في مطلع شبابه حيث قضي أكثر من عامين في غياهب معتقلي القلعة وطره بعد صدور ديوانه الأول (الدنيا هي المشنقة).
الديوان صدر منذ 45 عاما وكان حديث مصر كلها فلم يتحمل أحد وقتها تلك الكلمات التي عبرت عن فجيعة البلاد بنكسة 67 .
ثم كان هتافه الذي لازال يتردد علي كل لسان خاصة عندما تحاصرنا الأزمات من كل إتجاه وتمسك بخناقنا:
(مدد مدد ..شدي حيلك يابلد) وتتابع كلماته وبلغت ذروتها عندما تحولت كل منها إلي أنشودة لثورة 25 يناير ولعل اهمها:
(قلب الوطن مجروح ) و(الناس نامت إلاك ) و(أجمل مافيكي مصر) والتي ترجمت كلماتها لعدة لغات.
حصل علي عشرات الجوائز من داخل مصر وخارجها لعل أهمها جوائز اليونسكو عن أفضل شاعر غنائي وطني في العالم الثالث.
خاض معارك ضارية مع الأدعياء في الوسطين الأدبي والفني كانت وراء حرمانه من الحصول علي حقوقه المالية فعاني شظف العيش فلازال الشاعر الوحيد في مصر الذي لايمتلك سيارة ولايقدر علي ترف ركوب تاكسي حتي لوإضطره الأمر أحيانا إنتظار مواصلة عامة لعدة ساعات.. كما لازال يصرف مقراراته التموينية ليوفر بضعة جنيهات ورغم ذلك يتمتع برضا شديد عن النفس.
ومؤخرا كانت معركته الضارية مع النماذج المشوهة التي إمتلأ بها ميدان التحرير بعد أن غادره الثوار الحقيقيون وأصدر ديوانه الشهير :
25 ينايم و11 فقراير وخلال أيام سيصدر ديوانه الجديد في إطار ذات المعركة (إخواني إسمحوا لي بكلمة ) .
الشاعر الغنائي الكبير والكاتب المسرحي والناقد إبراهيم رضوان والذي يطلق في حواره مع ( الأخبار ) نيرانه علي تيارات الإسلام السياسي والتيارات المتصارعة معهم ومن يعتبرون أنفسهم النخبة والوسط الفني والأدبي علي حد سواء .
في البداية قلت لشاعرنا الكبير كيف تقرأ ماحدث مؤخرا بسيناء ؟
سيناء هي الجرح الأول ..لقد تركنا الحبل علي الغارب بها حتي دفع جنودنا الثمن ..دم هؤلاء الجنود في رقبتنا جميعا ويجب ألا نقبل العزاء فيهم حتي نأخذ بثأرهم ..لابد أن نعلن الحقيقة مهماكانت مرارتها عما حدث وأحذر من إستخدام نفس الأساليب القديمة البالة بأن نلقي التهمة علي إسرائيل ليتفرق دم هؤلاء الجنود بين القبائل.
كما ان التحقيقات لابد من إعلان نتيجتها لنعرف من المجرم حتي لو كان من بني جلدتنا ..أومن جيراننا.
وما حدث كان صفعة علي وجه كل مصري وليس مصر .. فمصر الجميلة لاتصفع ..لكن عيناها تدمع علي أحوال أبنائها .فلطالما تحدثنا كثيرا عن سيناء ولم نفعل لها شيئا..لم نعمرها..تركنا الجنود في مناطق قاحلة تركناهم وسط الذئاب..يجب ألا تعود ريمة لعادتها القديمة بعد أن إكتفينا بلطم الخدود ولعلي اتساءل لماذا لانقيم بها مستعمرات؟.ولماذا لانشق بها طرق المواصلات؟
ولماذا لانقيم بها المصانع ؟ لماذا لانستصلح أراضيها للزراعة ؟
فسيناء يجب أن تعود لحضن الوطن فعلا لاقولا.
شدي حيلك يا بلد
لماذا أعدت ترديد هتافك الشهير (مدد مدد.. شدي حيلك يابلد) عقب حادث رفح ؟
مات محمد نوح وسيموت إبراهيم رضوان وتظل مدد مدد ..لقد خرجت من القلب بعد نكسة 67 ووصلت القلوب ..موت نوح تزامن مع حادث رفح الذي أوجعنا جميعا.. شعرت وكأني قد كتبتها عقب الحادث عندما قلت :
مدد مدد مدد مدد ماتشدي حيلك يابلد
وإن كان في أرضك مات شهيد فيه ألف غيره هيتولد
بكره الوليد جاي من بعيد
راكب خيول فجره الجديد
يابلدنا قومي وإحضنيه
دامعاه بشاير ألف عيد
أومي إنطقي وسيبك بأه
من نومه جوه الشرنقه
لقد صنفت كأفضل أغنية وطنية في القرن الماضي بعد نشيد بلادي لسيد درويش وستظل كذلك.
كلماتك كانت وقودا للثورة فكيف ترصد ماحدث علي مدار أكثر من عام ونصف علي تفجرها؟
في البداية لابد أن نضع الأمور في نصابها الصحيح حيث خرج الشباب ثائرين علي وزارة الداخلية وهم يحلمون بإسقاطها..وكانت المفاجأة في أن النظام يتهاوي سريعا ففرح الجميع ونزل الميدان وهو يحلم بغد مشرق في مصر التي طالما حلمنا بها ..مصر التي يتواري فيها الظلم ويسود العدل ..يتواري فيها الأقزام ويتقدم الأكفاء في كل القطاعات.
فعندما نزلت الميدان تفحصت الوجوه ..وجدتها صالحة كنت أشم رائحة مصر في الميدان وجدت كلماتي علي ألسنة الجميع مدد مدد قلب الوطن مجروح .. الناس نامت إلاك وغيرها.. لم يخطر ببالي أوبال أحد أن تلك الوجوه الصالحة ستستبدل بوجوه كالحة ..وجدنا مليون منصة وميت مليون قبيلة وإئتلاف.
لم تجد مصر ماكانت تنتظره من أبنائها ..لم تجدهم يحملون همومها ويعشقوها بدون ثمن فكان خوفي أن يضيع قلب الوطن في خضم هذا الخلاف .
ألا تشعر بأن رد فعلك تجاه اليدان مؤخرا كان عنيفا ؟
بالفعل كان عنيفا.. لكن لماذا لم تسألني لم كان الرد بهذا العنف؟ لقد كانت صدمتي كبيرة.. نزلت الميدان فوجدت كلماتي تتردد في كل جنباته: مدد مدد.. وقلب الوطن مجروح.. كنت أعتقد أن من يردد تلك الكلمات لن يجد وقتا للبحث عن مجد زائف أو يسعي للبحث عن دور ولوكان علي حساب الوطن.. والصراع علي الظهور في الفضائيات.. أدركت أن هناك من يدفعنا لشط الإنتحار
لقد نسينا الغرقانين والعرقانين والتعبانين والمنداسين والدفونين جوه القري والمدن فرغم إنتهاء زمن الفساد كنت أشم في كل مكان عطنا.. كنا جميعا ننشد أن يكون كل من في الميدان مددا وسندا في أيام الجفاف ..كنت أظن أنهم يعشقون مصر بدون ثمن .
كرهت الكثيرين ممن يتصدرون المنصات ..لم أعد أطيق رائحة الميدان .بعد أن تبخرت رائحة مصر وإنبعثت منه رائحة (القمامة).
لم يعد هو الميدان الذي عرفناه فبعد أن سقط الوثن خرج مليون وثن ودخله الخبيث.
ولماذا حمل ديوانك 25 ينايم و11 فقراير كل هذه القسوة ؟
بعد ظهور النماذج المشوهة التي أدمنت الكذب والتدليس كان لابد من أن نرسم الصورة الحقيقية لها بلا رتوش لعلنا نستطيع أن ننقذ شبابنا من براثنهم وكفي أكوام الفساد والضلال التي عشعشت بالقلوب عشرات السنين أيام النظام السابق فأثمرت هذيانا ومرضا وكسلا وهوانا .
يجب ألا نسمح لمن يحاول أن يعيدنا إليها تحت ستار آخر فيجب أن نواجه أنفسنا بالحقيقة مهما كانت مرارتها إن كنا حقا ننشد جني ثمار الثورة .
معني ذلك أنك غير راض عن نتائج الثورة ؟
علي قدر فرحتي بالثورة علي قدر صدمتي بنتائجها وأعتقد أن هذه الصدمة أصيب بها معظم أبناء الشعب.. وكأن مصر موعوده دايما بالغلب والمصايب ..من هنا قصيدتي (بره الميدان) التي طالبت فيها بخروج تلك الوجوه من الميدان وجاء فيها:
ياالا إخرجوا بره الميدان .. بره الجهات الأربعة
أنا قلبي مش ناقص فتاوي الجهل .. ويا السرسعة
إسلامي مش محتاج إضافه مزورة.. ومزيفة
إسلامي هو الضي ..من أول (حليمة المرضعة)
ياجلابيه مرقعه
وفتاوي صفره مبقعه
كل السبل .. متقطعه
وإحنا شبعنا من سيوف تحريف ..شبعنا جعجعه
يالا إخرجوا بره الميدان ..بره الجهات الأربعه .
وهل ماجاء في هذا الديوان يعد إمتدادا لديوانك الأول (الدنيا هي المشنقة) والذي إعتقلت بسببه؟
لقد علمت بأن سبب إعتقالي قصيدة الجرائد والكلاب التي تضمنها هذا الديوان وعندما قابلت شمس بدران في السجن في حضور مصطفي أمين وكان الجميع يناديه بمصطفي بك قال لي:
لوكنت وزير داخلية لأعدمتك
ويضيف شاعرنا إبراهيم رضوان :
عندما أكتب كلمتي لا أنظر إلي النتيجة.. فقط أقول ما أقتنع به دون النظر للعواقب .
فعندما صدر ديواني الأول (الدنيا هي المشنقة) في عام 69 وألقيت بعض قصائدي في حفل تخريج دفعة من طب المنصورة.
نقلوا كل من صفق لي في الإحتفال إلي الصعيد ..وتم مصادرة الديوان كأول ديوان يصادر وقتها في مصر كماتم نقلي كمعلم في أقاصي الصعيد وبسبب الضجة التي أحدثها الديوان تم وضعي بمعتقل القلعة السياسي حيث قضيت أصعب 42 يوما في حياتي وبعدها تم نقلي لمعتقل طره حتي قضيت به عامين في مكان غير آدمي أطلق عليه ( النشاط المعادي ) .
وماذا عن تجربة السجن ؟
لقد قابلت كل ألوان الطيف السياسي في السجن سواء الشيوعيون وفصائل اليسار والإخوان المسلمين وعدد من المتطرفين وأذكر عندما كنت أجلس أحيانا مع بعض قادة الإخوان المسلمين حضر لي بعض هؤلاء وقالوا لي:
ألم تجد غير هؤلاء الكفرة لتجلس معهم؟
وكان ممن إلتقيتهم أيضا الكاتب الكبير مصطفي أمين ..وشمس بدران وغيرهم .
لقد خرجت مدمرا من السجن ..فقد كنت سببا في ألم شديد لأبي وأمي ..أبي كان معاشه 4 جنيهات فقط وكنا 9 إخوه ..فبجانب شظف العيش كان عذابهم ليل نهار ..علمت بعد خروجي أن هناك شابا مسيحيا ظل يبحث عن منزلنا بعد أن قرأ الديوان وكان يساعد الأسرة طوال وجودي بالسجن كما كان يفعل ذلك أحد ضباط الجيش.
ثم كان الألم الأكبر هو إحساسي بخوف كل الناس مني لأني كنت مراقبا في كل تصرفاتي.
إلي أن إلتقيت بمحمد نوح في القاهرة بعد صدور ديواني :
(إن مع العسر يسرا )
ونوح كان فنانا عظيما جدا لكنه كان لايعترف بأن لي حقوق مادية وقد كتبت له معظم أعماله ولم أحصل مقابلا عن مدد مدد سوي 10 جنيهات فقط تم دفع 7 منها للضرائب .
ورغم ماقدمته من أعمال غنائية ومسرحية ونقدية إلا أن معظم حقوقي المادية ضاعت ولازلت الشاعر الوحيد الذي لايمتلك سيارة ولا شقة ولازلت أصرف مقراراتي التموينية بل لاأملك ترف ركوب تاكسي وأحيانا أنتظر مواصلة عامة بالساعات ورغم ذلك أشعر برضا شديد عن النفس .
قلت لشاعرنا ..أشعر أنك تعاني من حالة إحباط وإكتئاب وتشاؤم شديد فما السبب في ذلك ؟
لا شيء في مصر في هذه المرحلة يدعو للتفاؤل ..وأعتقد أن الغالبية من المواطنين يشاركوني هذا الشعور .
أنظر إلي شوارعنا ومايحدث فيها ..هذا القدر من الفوضي والبلطجة والعشوائية ..أما إذا جلست في المنزل وحاولت متابعة التلفزيون فالأمر سيكون أسوأ بكثير فلن تجد شاشات أسوأمن تلك الشاشات سواء كنت تتابع برامج أو هذا السيل العارم ممايطلق عليه فن ..ففي البرامج لن تطالعك سوي تلك الوجوه التي سئمناها بل وكرهنا الكثير منها وأصبحت آذاننا غير قادرة علي سماع أصواتهم النشاز ولا مطالعة وجوههم التي تنضح زيفا ونفاقا وبلاهة أحيانا .
أما الفن فقد إنحدرنا به إلي هوة سحيقة مسلسلات تنضح بالإسفاف والهبوط لقد فقدنا نماذج أسامه أنور عكاشة ومحفوظ عبد الرحمن وسامي السلاموني ..المناخ لايمكن أن ينتج لنا أمثال هؤلاء ولن يسمح بظهور فؤاد حداد ولا صلاح جاهين ولامرسي جميل عزيز ولايوسف إدريس وغيرهم من القامات .
ويشير ابراهيم رضوان إلي مدي الإسفاف الذي وصل إليه الفن بهذا المشهد الشهير لعادل إمام ( شلالات نياجرا ) وكأنه كان يبول علينا مطالبا بفرض حظر تبول عليه عقابا علي إيذاء مشاعرنا والإساءة لسمعة الفن المصري .
أما مايحدث في مجال السياسة فهو طامة كبري ونحن نري الكل يتهافت علي الغنيمة (مصر) ويزعم أنه يذوب عشقا فيها.
وبم تفسر ماحدث ؟
لقد بدأت إنتكاسة الثورة وكل تلك المظاهر الدخيلة علينا عندما سمعنا لأول مرة من بعض مدعي الثورية:
(يسقط حكم العسكر ) لقد أدركت وقتها أن هناك مؤامرة ما تحاك لمصر فإسرائيل هي المستفيد الأول من سقوط العسكر في مصر رغم إعتراضي الشديد علي مسمي العسكر فجيش مصر ليس في حاجة لتكرار الحديث عما يحمله من أمانة ورسالة سامية ظل دائما محافظا عليها.
والأغرب أن من كانوا يشنون هذا الهجوم الكاسح علي من حمي الثورة ولا يخجلون إكتشاف الشعب خداعهم لأتباعهم وإدمانهم الكذب والتدليس دون حياء.
ووجدنا منهم من يقبل الآيادي ..ومنهم من يدفع الشباب المخدوع للتخريب وتعطيل مصالح البشر ورغم إنكشاف زيف هؤلاء إلا أن تلك النماذج لم تتوار بل تصر علي أن تصيب المصريين بالكمد بمجرد ظهورهم علي الشاشات .
لكن أليس إنتخاب رئيس جمهورية في إنتخابات حرة نزيهة لأول مرة يعد مكسبا كبيرا وثمرة من ثمار الثورة ؟
أعتقد أن هناك مبالغة كبيرة في هذا الأمر ..فقد كان هناك تزوير معنوي واسع وإستخدام للدين من جانب جماعة الإخوان المسلمين كما أن جميع المؤشرات تؤكد أن الرئيس الدكتور محمد مرسي لازال علي إرتباط وثيق في كل قراراته بجماعة الإخوان المسلمين مهما قيل غير ذلك .
وهل موقفك المبدئي من جماعة الإخوان هو الذي يدفعك للتحامل عليهم؟
أولا ليس بيني وبين الإخوان عداء بل لقد إلتقيت بالكثير من قياداتهم في السجن كالمرحوم حسن الهضيبي وصالح أبورقيق وغيرهم ..خلافي معهم جوهري في أفكارهم ومعتقداتهم وأساليبهم وإعتيادهم علي إخلاف العهود وهذا لم يعد في حاجة إلي دليل .وعلي عكس كل مايعلن فإنهم ماضون في طريق أخونة الدولة لامحالة .
وللحقيقة يجب أن نذكر في ذات السياق أن عددا من القوي التي ظهرت عقب الثورة تمارس قدرا من الإنتهازية ولكن بأساليب مختلفة وكأنه كتب علينا أن نتخلص من الحزب الوطني بفساده لننتج حزبا وطنيا آخر في ثوب جديد .
وعلي العموم أتمني أن أكون مخطئا وأن يعمل الجميع حقا لصالح الوطن لا لصالح حزب أو جماعة وأن ننتقل بمصر إلي ماتستحقه من مكانة بين الأمم وإن كنت أشك في أن ذلك يمكن أن يتحقق قريبا.
ولماذا لاتتمسك بتفاؤلك المعهود؟
كما قلت لك لاشيء يدعو لهذا التفاؤل.. الهواء لم يعد يصل إلي الرئتين.. أملي في الحياة أن آخذ نفس واحد ..قلبي مهدد بالتوقف في أي لحظة.
البلد تحولت إلي ضلمه ولايستطيع شاعر أن يكتب في الضلمة ..أصبحنا نقضي نصف وقتنا في النوم والنصف الآخر في الضلمة
خرجنا من أزمة العيش لأزمة الشمع ..هل سمعنا في تاريخ مصر عن أزمة شمع ؟ وها نحن قد عشنا حتي وجدنا الكل يتسارع لتخزين الشمع لمواجهة أزمة الظلام الدامس .
لكن تلك أزمات متوارثة وجار مواجهتها؟
للأسف أصبحنا نستخدم نفس أسلوب النظام القديم في التبرير ..بل ربما تفوقنا عليه في ذلك ..فحتي أيام الثورة وبعدها بأكثر من عام لم نتعرض لهذا الإظلام اليومي.. نحن في حاجة لتغيير جذري في التفكير ومواجهة المشاكل مواجهة حقيقية وليس مجرد تغيير الوجوه.
وهل سيغلق إبراهيم رضوان عليه بابه ويعتزل الجميع ؟
لا.. لقد إكتشفت أن هناك ماهو أجمل من الكتابة.. أن تحل مشكلة إنسان محتاج أوتسعي في علاج مريض فقير.. أن تدخل البسمة علي هؤلاء المطحونين المحرومين الذين سقطوا من حسابات المجتمع .. فقراء إبراهيم رضوان أصبحوا عالمه الجديد.. أصبحت أفرح بحل مشكلة أحدهم أكثر من صدور ديوان جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.