انطلقت الأسبوع الماضي اجتماعات مكثفة بين حركتي فتح وحماس في القاهرة، بحثَا عن إنهاء الانقسام الفلسطيني المستمر لأكثر من 18 عامَا، وفى ظل أوضاع معقدة يعانيها قطاع غزة الذي يواجه حربَا طاحنة يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ عام كامل، وهو ما يجعل المفاوضات التى من المتوقع أن تستمر خلال الأيام المقبلة بمثابة «فرصة أخيرة» للأطراف الفلسطينية نحو إنجاز ملف المصالحة الذى جرت عرقلته مرات عديدة خلال الفترة الماضية. ■ اجتماع وزير الخارجية وحركة فتح وتسعى مصر لإنجاح الاجتماعات هذه المرة والوصول إلى صيغة توافقية تضمن تنفيذ ما يجرى التوصل إليه من تفاهمات بعد أن ظل الكثير من الاتفاقات السابقة حبراً على ورق، وآخرها مفاوضات بكين فى يوليو الماضى، وهناك قناعة مصرية بأن القضية الفلسطينية أمام مرحلة مفصلية من تاريخها لا يمكن معها السير لإيجاد حلول سياسية دون أن يكون هناك توافق فلسطينى فى المقام الأول، كما أن هذه الاجتماعات مهمة لإفشال خطة الاحتلال الإسرائيلى الذى يسعى لإدارة القطاع بالكامل ما يعنى احتلاله، ويتذرع بمساعيه للقضاء على حركة حماس التى تدير القطاع فعليَا حتى الآن. ◄ وحدة الصف والتقى السفير بدر عبدالعاطي، وزير الخارجية والهجرة، السبت، وفداً من حركة فتح الفلسطينية برئاسة محمود العالول نائب رئيس الحركة، وروحى فتوح رئيس المجلس الوطنى، وعزام الأحمد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واللجنة المركزية لحركة فتح، وشهد اللقاء التأكيد على ضرورة العمل على وحدة الصف الفلسطينى، وتعزيز دور السلطة الوطنية، بما يضمن تحقيق تطلعات وآمال الشعب الفلسطينى. وصرح السفير تميم خلاف المتحدث الرسمي باسم الخارجية والهجرة، بأن اللقاء شهد إعادة تأكيد وزير الخارجية والهجرة على موقف مصر الداعم للسلطة الفلسطينية، وتمسكها برفض أية مخططات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، مشيراً إلى حرص مصر فى اتصالاتها مع الأطراف الدولية الفاعلة على إنفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية لقطاع غزة فى ظل العراقيل التى يضعها جيش الاحتلال الإسرائيلي. ■ اجتماعات القاهرة تحاول تجاوز فشل اتفاق بكين ◄ وجهات نظر تضمنت تصريحات إعلامية أطلقتها قيادات من حركتى فتح وحماس فى أعقاب إجراء المفاوضات التى استمرت على مدار يومى الأربعاء والخميس، التأكيد على أن اجتماعات القاهرة تهدف لترتيب البيت الداخلى الفلسطينى فى ظل الأوضاع الراهنة، وبحث آلية عمل اللجنة المعنية بإدارة المعابر وملفات الصحة والإغاثة والإيواء والتنمية الاجتماعية والتعليم، وتواجه عملية المصالحة مطبات عديدة لأن الخلافات بين الحركتين مازالت قائمة بل يمكن القول بأن الحرب أضافت عليها مزيدا من العراقيل، لأن حركة حماس تسعى لأن تتعامل وفقَا لمعطيات الماضى حينما كانت لديها قوة شعبية وعسكرية تمكنها من تحديد موقعها فى حكومة الوحدة الوطنية التى كان يجرى التباحث حول تشكيلها فى مرات عديدة قبل بدء الحرب، وترفض الاعتراف بالوضع القائم بعد أن أضعفتها الحرب، كما أن وجودها على رأس سلطة تنفيذية فلسطينية أو حتى فى مواقع متقدمة أمر ترفضه إسرائيل والولايات المتحدة وكذلك المجتمع الدولى مما يتطلب تقديم تنازلات عديدة لكى تتحقق المصالحة والضغط على المجتمع الدولى نحو الاعتراف بما سوف تسفر عنه. ويمكن القول بأن حركة فتح تسعى لإبراء ذمتها عبر الدخول فى مفاوضات جديدة مع حماس، لكى لا تبقى فى نظر الشعب الفلسطينى متماهية مع عملية استمرار الانقسام، وتحاول التسويق لرؤيتها التى تضمن استعادة قوة السلطة الفلسطينية وتعزيز السيطرة على قطاع غزة والضفة الغربية وعدم الفصل بينهما، وقد يكون ذلك أيضَا هدفَا بالنسبة لحركة حماس لكن يبقى موقف الأخيرة أصعب لأنها بحاجة لمزيد من التنازلات. ◄ اقرأ أيضًا | تسمم 100 جندي إسرائيلي لتناولهم طعام فاسد بقاعدة عسكرية ◄ المهم التنفيذ وقال الدكتور أسامة شعث، أستاذ العلاقات الدولية، إن الحوارات التى جرت بين فتح وحماس فى القاهرة مازالت فى طور المناقشات، والتباحث حول الحلول التى يمكن أن تؤدى إلى نتيجة يمكن تطبيقها على أرض الواقع، لأنه سبق وأن وقعت القوى الفلسطينية على تسع اتفاقيات لإنهاء الخلافات بدءاً من العام 2005 وحتى هذا العام وهى تقريبًا تكرر نفس الصياغات لكنها تبقى بلا تنفيذ، مضيفًا أن الأولوية الآن لإجراء اتفاقيات تنفيذية وإجرائية على الأرض بهدف إنقاذ ما يمكن انقاذه من الشعب الفلسطيني المشرد داخل قطاع غزة، وهؤلاء فى أمس الحاجة الآن إلى سرعة تحقيق اتفاق وطنى لإدارة عملية الإعمار كأولوية قصوى، وإعادة الحياة مرة إخرى إلى قطاع غزة وبناء الشعب الفلسطينى من خلال إدارة المعابر، وإدارة عملية دخول المواد الغذائية والإغاثية والأدوية وكل مستلزمات الحياة التى أصبحت معدومة فى قطاع غزة. ■ الدكتور أسامة شعث وتابع قائلاً: «بلا شك هناك تباين فى الرؤى حول بعض التفاصيل التى ربما تكون محط جدل أيضَا أو غير مقبولة لدى الاحتلال والولايات المتحدةالأمريكية أو بعض القوى الدولية التى لا تريد أن تبقى حركة حماس فى المشهد بشكل مباشر ما يجعل الطرفين بحاجة لمصارحة بعضهما بخطورة الأوضاع على الأرض فبينما الاحتلال يواصل عمليات التدمير فإن حركة حماس تصر على تولى إدارة بعض الدوائر، وقد لا يكون واقعيَا ولذلك فإن مصر تبذل جهودها الكبيرة لتذليل هذه العقبات أملاَ فى توحيد الجهود الفلسطينية وتوحيد الصف الوطنى لإعادة الحياة إلى القطاع». وأكد على «أن هناك حاجة ملحة للأطراف الفلسطينية جميعها للوصول إلى اتفاق بين الطرفين ولولا الحاجة الملحة لذلك ما اجتمع الفصيلان فى القاهرة، مع ضرورة أهمية النظر بعين الواقع الراهن وليس برؤية هذا الفصيل أو ذاك حتى لو هناك اتفاقات صعبة، وليس هناك أى خيار أمام الطرفين سوى الوحدة الوطنية، إذ إنه لا حل سياسيا بدون وحدة ولا وقف إطلاق النار بدون وحدة وطنية». ◄ مفاوضات الهدنة يأتى الاجتماع وسط جمود مفاوضات هدنة غزة منذ أسابيع، على خلفية تمسك رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بعدم الانسحاب من الجانب الفلسطينى من معبر رفح ومحور فيلادلفيا، الحدودى مع مصر، ورفض بقاء حماس بالسلطة فى اليوم التالى من انتهاء الحرب، ويعد سلاح حركة حماس أحد أبرز القضايا العالقة والتى بحاجة إلى مزيد من المباحثات للتوافق حول مصيره المستقبلي، بخاصة أن الحركة ليست مستعدة لتسليمه والوصول إلى اتفاق على وجود «سلطة واحدة وسلاح واحد» كما تسوق السلطة الفلسطينية بشكل مستمر، وفى نظر أنصار حماس فإن تسليم السلاح يعنى الهزيمة فى الحرب الحالية، فى حين أن الواقع يشير إلى أن التطورات الحاصلة فى أعقاب حرب السابع من أكتوبر سبقت الحديث عن مسألة السلاح ومستقبله. وسيكون على الفصائل الفلسطينية الاقتناع بأنها بحاجة لاتخاذ مزيد من الخطوات التى تهدف إلى تقوية السلطة الفلسطينية وإحياء حضورها بشكل كبير والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى بما يشكل ضمانة لإقامة الدولة الفلسطينية، ويمكن أن تكون البداية من التوافق على تشكيل لجنة مدنية تابعة للحكومة الفلسطينية الحالية لإدارة القطاع وهو ما تسعى مصر للوصول إليه خلال المباحثات. ◄ أجواء إيجابية وقال الدكتور طارق فهمي، الخبير فى الشأن الفلسطينى، إن مباحثات القاهرة مضت فى إطارها الطبيعى لكن هناك لقاءات ستنعقد خلال الفترة المقبلة وسوف تتطرق إلى إدارة المعابر من جانب الفلسطينيين وتحديداً معبر رفح وكذلك ملف تشكيل حكومة توافقية، ويمكن القول بأن المناخ السائد حاليَا نتيجة للشعور الكبير بالخطر يمكن أن يقود لنتائج إيجابية باعتبار أن المصالحة أضحت الآن مصلحة مشتركة من جميع الفصائل، على أن يكون هناك اتفاق مبدئى بين فتح وحماس يمكن البناء عليه لجمع كافة الفصائل، وأوضح أن مفاوضات الأسبوع الماضى حققت نتائج إيجابية عديدة وبحاجة لأن يتم تعزيزها عبر وجود إرادة سياسية للذهاب إلى الأمام تحديداً على مستوى إدارة قطاع غزة وملء الفراغ القائم حاليَا والذى لابد أن يكون من خلال السلطة الفلسطينية أو قوى محسوبة على الفلسطينيين وهناك التزام مصرى باستمرار الوساطة وهناك تنسيق على أعلى مستوى مع جهات مختلفة لإنجاح المباحثات، وفى المقابل هناك تقدير فلسطينى كبير للتحرك المصرى القائم. ■ الدكتور طارق فهمي وشدد على أنه لا يوجد سبيل أمام الفلسطينيين سوى الذهاب نحو سيناريوهات النجاح دون أى طروحات أخرى يمكن أن تعول على الفشل، إذ إن عدم التوافق يخدم إسرائيل فى المقام الأول إلى جانب القوى الإقليمية الأخرى المناوئة للمصالحة، كما أن الطرفين فى حاجة ماسة لإنهاء الانقسام وأن مصر سوف تعمل على مشاركة باقى الفصائل والمجتمع المدنى والمستقلين وغيرهم من الشخصيات الفلسطينية الكبيرة خلال الفترة المقبلة.