د. طارق فهمى تتجه إسرائيل إلى بناء مقاربة أمنية خاصة بأمنها القومى الذى يتعرض وفقًا لمفهوم إسرائيل خالص لتهديدات من سبع جبهات حددها رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، والواقع يشير إلى أن إسرائيل لديها وفرة قوة تعمل على توظيفها بصورة لافتة للوصول إلى حماية نفسها فى بيئة إقليمية وعربية مناسبة، وفى ظل موقف دولى متخاذل لدعم المواقف العربية فى الوقت الراهن، وهو ما برز بقوة فى المواجهات الراهنة بين إسرائيل من جانب وايران، وحزب الله من جانب آخر، والتى ستستمر لعدة أشهر كما استمرت الحرب فى غزة طوال عام كامل دون أن تحسم حتى الآن ما يشير إلى أن ما يجرى فى الشرق الأوسط والخاص بحزب الله وإيران سيطول فى إطار من السيناريوهات الموضوعة، والتى ترتبط بخيارات تعمل عليها إسرائيل وتسعى لتحقيقها بصرف النظر عن قدرتها القتالية وفى إطار مخطط يعتمد على إدارة الأزمة انطلاقا من حسابات ضيقة واعتمادا على قوتها العسكرية من أجل البقاء فى الإقليم، وليس فقط مجرد مواجهة جبهات مواجهة، أو مخاطر واردة على وجودها فقط. ومن أجل هذا فإن الوصول إلى ما بعد الليطاني، المناطق المتماسة وإعادة السكان ليس فقط المرجو مما يجرى فى لبنان، وإنما أيضا التعامل مع الجانبين المركزى والفرعى أى إيران، وحزب الله وجماعة الحوثيين، وكل ما يهدد أمن إسرائيل فى سياق ما يجرى أى الانتقال تدريجيا كما هو جار للعمل فى سورياولبنان ومناطق التماس وفى البحر الأحمر وأيضا فى العراق، والممرات المائية فى خطوة رئيسه تركز على إعادة القدرة على الردع، وهو أمر مرتبط فى المقام الأول بتغيير الصورة فى الإقليم وإجراء تحولات هيكلية فى نمط المواجهات الراهنة والمرتقبة اعتمادا على الحرب على جبهات عدة، والانتقال من مواجهة منابع الخطر الممثل فى الأطراف الوكيلة إلى تحصين إسرائيل فى المديين المتوسط والطويل الأجل من أية مخاطر محتملة ما يؤكد أن إسرائيل ستمضى فى مخططها فى ظل دعم غربى أمريكى بريطانى فى المقام الأول، وفى مواجهة سيناريوهات قد تبدو فى نهاية المطاف مرتبطة بحجم التغيير اللافت والمؤثر والفاعل الذى يمكن أن يوفر لإسرائيل القدرة على التعامل والانتقال تدريجيًا بعسكرة الإقليم والجبهات المناوئة إلى تطهير الإقليم بكل ما فيه من مهددات رئيسة ومؤثرة، ويمكن أن تمثل خطرًا على أمنها القومى مما يتطلب التعامل المباشر بكل هذه القوة. فالأمن ليس لإسرائيل فقط بل لكل دول الإقليم، وإعطاء الحقوق المسلوبة للفلسطينيين ليس منة أو منحة إسرائيلية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ليس شعارا أو رغبة تتردد، ففى كل الأحوال تدرك إسرائيل أن استمرار حربها فى لبنان، أو فى الجبهات المناوئة بالتعريف الإسرائيلى سيكون فى إطاره، ومن ثم فإن ما تسعى إليه إسرائيل بدخول لبنان بعملية تصفها بالمحدودة، أو شاملة لن تحقق لإسرائيل أى مكاسب حقيقية، أو تأمين لحدودها بل قد يعاد النظر فيما جرى من اتفاقيات خاصة ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، أو أنها ستخسر جراء عدم وجود مقاربات حقيقية، أو رؤية للاستقرار وفقًا لرؤية إسرائيلية عاجزة عن التعامل مع الإقليم وإعادة الاعتماد على خيارات ضعيفة، أو هشة تركز على توظيف القوة الممنهجة، وفى إطار من تقييمات عسكرية واستراتيجية فاشلة، وغير مدركة لطبيعة ما ستواجه إسرائيل من تحديات مرتبطة باستراتيجية النفس الطويل، والحرب الممتدة والصراع المفتوح، وتغيير المحددات التى حكمت الإقليم سنوات طويلة فى ظل انفتاح بنك الأهداف الاستراتيجية التى تعمل عليها إسرائيل فى لبنانوسوريا واليمن مع الانخراط فى مواجهات مكلفة قد تدفع بالإقليم إلى حافة الهاوية خاصة أن إسرائيل ما تزال لها رؤيتها لأمنها القومى مع إعادة تعريف مفهوم الأمن القومى الإسرائيلى فى الوقت الراهن، والاتجاه لتبنى نظرية أمن قومى جديدة يمكن أن توفر وفق جنرالاتها الاستقرار والأمن المطلق، وهو أمر غاية فى الصعوبة فى ظل التحديات الراهنة والمخاطر المستجدة التى تتعامل فيها إسرائيل انطلاقا من أن التعامل مع حزب الله فى الحرب الراهنة لن يحسم بل سيطول وستدفع إسرائيل تكلفة عالية ليس كما دفعت فى غزة خاصة أن إسرائيل تراهن على تغيير شامل فى الإقليم بما يوفر لها أمنها الكامل، ولهذا ستستمر فى الحرب مع الاستمرار فى إجراء الترتيبات الأمنية فى الجنوب اللبناني، ولاحقا فى غزة. يمكن التأكيد إذا على أن إدارة إسرائيل للمواجهات فى الإقليم فى لبنانوسوريا وفى اليمن والعراق ستحكمها ضوابط مستجدة لن تنجح إسرائيل برغم قوتها النوعية فى التعامل معها وانطلاقا من مواجهات قد تطول، ولن تتم فى سياق عاجل كما تتوهم إسرائيل، وتتصور أنها قادرة على تغيير الشرق الأوسط فى ظل مقاربة محدودة وناقصة.