هناك فارق بين حركات المقاومة، وهى مشروعة وفقا لقواعد القانون الدولى وبين حركات العنف أو ما كانت تعرف بجيوش القطاع الخاص أصبحت الجيوش الوطنية فى الشرق الأوسط تعانى من أزمة هيكلية نتيجة صعود مد الميلشيات التابعة لإيران فى الإقليم خاصة أن هذه الميلشيات سواء كانت حزب الله، أو التيار الحوثى أو الفصائل العراقية والسورية، وغيرها تهدد أمن الإقليم بأكمله وقد تصل به إلى حافة المواجهة، وهو ما تضعه القوى الدولية والإقليمية فى تقديراتها، وفى ظواهر جديدة صاعدة فى بنية النظام الدولى بأكمله إذ لا توجد حالات مناظرة إلا فى الشرق الأوسط، وهو ما يشير إلى أن جيوش الفواعل من غير الدول ستحدد مستقبل الإقليم بأكمله حربا أو سلما، خاصة أن المواجهات فى الإقليم لن تتوقف عند الحدود الراهنة بين إسرائيل من جانب وإيران ووكلائها من جانب آخر، مما قد يشير إلى وجود توقعات بانهيار، أو ضعف دور الجيوش الوطنية فى الإقليم، ما يؤكد على أن طرح البديل القائم ممثلا فى صعود دور ميلشيات أو حركات عسكرية مسلحة مثلما يجرى فى حالة حزب الله والحوثيين بعد أن انهارت مؤسسات الدول الوطنية، ودخلت أغلب هذه الدول فى إطار ما يعرف باسم الدول الفاشلة وفقا للمؤشرات الدولية المتعارف عليها. وبالتأكيد هناك فارق بين حركات المقاومة، وهى مشروعة وفقا لقواعد القانون الدولى وبين حركات العنف أو ما كانت تعرف بجيوش القطاع الخاص، أو الفواعل من غير الدول التى تهدد الاستقرار السياسى والأمني، وتتخذ من قضايا المواجهة أسلوبا ونمطا فى التعامل، ولعل ما يجرى بالنسبة لحزب الله ما يؤكد على هذا فى ظل امتلاك قدرات كبيرة تفوق بالفعل قدرات حركات المقاومة الفلسطينية ما قد يؤدى إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية فى الشرق الأوسط بصرف النظر عن قدرة الطرف الإسرائيلى الذى يدرك أن استراتيجية الردع والمواجهة هى الحل فى ظل تغيير قواعد الاشتباك على الأرض بين الأطراف المختلفة ليس بين حزب الله وإسرائيل فقط بل بين كل الأطراف المهددة لأمن إسرائيل، وهو ما يدفع بمواجهات إسرائيل للخطر من سبع جبهات حقيقية قادرة على التعامل مع إسرائيل، وفى نفس الوقت بصرف النظر عن قدرة الجيش الإسرائيلى على الرد بل والانتقال من مواجهات غير مباشرة الى المواجهات المباشرة فى البحر الأحمر، وباب المندب والخليج العربي، وهو ما تدرك تبعاته القوى الدولية التى تواجه هذه المخاطر باتباع استراتيجية رد الفعل وهو ما جرى فى إطار تدشين الولاياتالمتحدة لمواجهة الخطر الحوثي، وتشكيل ما عرف بتحالف الازدهار، والانتقال إلى توجيه ضربات تكتيكية غير مؤثرة على مواقع الحوثى بهدف نقل رسالة بالقدرة على الردع ما يؤكد أننا أمام مرحلة حاسمة فى إطار منظومات المواجهة الاستراتيجية التى تتعامل وفق رؤية ومقاربة مختلفة، وفى ظل حسابات مهمة تعمل عليها الدول الكبرى التى تتواجد وفقا لاستراتيجية الردع المحتمل، وهو ما يتبعه حزب الله فى الوقت الراهن مع العمل على الحفاظ على قدراته العسكرية لمواجهة إسرائيل وعدم الاندفاع فى عمل عسكرى شامل لا يريده بل يدخره للمدى الطويل مع الاستعانة بقدرات فصائل معاونة وفقا لرؤية إيرانية محددة بتوظيف، واستثمار ما يجرى من حسابات محددة ومنضبطة وليست مندفعة. فى كل الأحوال تبقى جيوش الفواعل من غير الدول موجودة، وقائمة ومؤثرة ما يهدد أمن الإقليم، وفى ظل الفشل الراهن للجيوش الوطنية سيبقى لهذه الفواعل الدور الموجه المباشر لما يمكن أن يكون عليه الشرق الأوسط بأكمله فى الفترة المقبلة انطلاقا من الأوضاع فى غزة ومرورا بالضفة الغربية إلى جبهة الشمال والجبهة اليمينية ما يؤكد أن مساحات الاستهداف لهذه الفواعل ستتسع ليس فى مناطق حركاتها بل إلى الطرف المستهدف الرئيس ممثلا فى إسرائيل ما تطلب مراجعة إسرائيلية أخيرة لنظرية الأمن القومي، والتأهب لتغيير قواعد التعامل والانتقال من الحروب الخاطفة إلى الحرب الممتدة، والتى باتت واقعا بعد أن دخلت الحرب فى غزة شهرها الحادى عشر ما يؤكد على أن ثمة متغيرات حقيقية باتت تفرض نفسها على الإقليم وستحدد مساراته، واتجاهاته الحقيقية فى الفترة المقبلة. ما يؤكد على ذلك أن هناك قناعة إسرائيلية فى المستويين السياسى والاستراتيجى أن الأطراف الوكيلة ستبقى هى الأساس فى المواجهات المقبلة فهل تتفكر إسرائيل فى بناء قدراتها خارج سياق ما يجرى ومن خلال جيشها، وهل يمكن أن تذهب إسرائيل لتدشين منظمات بديلة مشابهة خاصة أن إسرائيل بدأت نشأتها الأولى من خلال منظمات إرهابية مع الفارق فيما يجرى فى الوقت الراهن.