يبدأ الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية 235 من سورة البقرة حول قوله تعالى:»وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِى أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ» يقول: و«عَرَّضْتُمْ» مأخوذة من التعريض. والتعريض: هو أن تدل على شيء لا بما يؤديه نصا، ولكن تعرض به تلميحا. إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يجعل للعواطف تنفيسا من هذه الناحية، والتنفيس ليس مجرد تعبير عن العاطفة، ولكنه رعاية للمصلحة، فمن الجائز أنه لو حزم التعريض لكان فى ذلك ضياع فرصة الزواج للمرأة، أو قد يفوت هذا المنع الفرصة على من يطلبها من الرجال؛ لذلك يضع الحق القواعد التى تفرض على الرجل والمرأة معا أدب الاحتياط. وكأنه يقول لنا: أنا أمنعكم أن تخطبوا فى العدة أو تقولوا كلاماً صريحاً وواضحاً فيها، لكن لا مانع من التلميح من بعيد. مثلا يثنى الرجل على المرأة؛ ويعدد محاسنها بكلام لا يعد خروجا على آداب الإسلام مثل هذا الكلام هو تلميح وتعريض، وفائدته أنه يعبر عما فى نفسه قائله تجاه المطلقة فتعرف رأيه فيها، ولو لم يقل ذلك فربما سبقه أحد إليها وقطع عليه السبيل لإنفاذ ما فى نفسه، ومنعه من أن يتقدم لخطبتها بعد انتهاء العدة، وقد يدفعه ذلك لأن يفكر تفكيرا آخر: للتعبير بأسلوب وشكل خاطئ. إذن فالتعريض له فائدة فى أنه يُعرف المطلقة رأى فلان فيها حتى إن جاءها غيره لا توافق عليه مباشرة. اقرأ أيضًا| خواطر الشعراوي | الحكمة لعدة الزوجة وهكذا نرى قبساً من رحمة الله سبحانه وتعالى بنا، بأن جعل العدة كمنطقة حرام تحمى المرأة، وجعل التعريض فرصة للتعبير عن العاطفة التى تؤسس مصلحة من بعد ذلك. إن الحق يقول: «وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النساء» والخطبة مأخوذة من مادة «الخاء» و«الطاء» و«الباء» وتدل على أمور تشترك فى عدة معالم: منها خُطبة بضم الخاء، ومنها خَطْب وهو الأمر العظيم، ومنها المعنى الذى نحن بصدده وهو الخِطبة بكسر الخاء. وكل هذه المعالم تدل على أن هناك الأمر العظيم الذى يُعالج، فالخطب أمر عظيم يهز الكيان، وكذلك الخُطبة لا يلقيها الخطيب إلا فى أمر ذى بال، فيعظ المجتمع بأمر ضروري. والخِطبة كذلك أمر عظيم؛ لأنه أمر فاصل بين حياتين: حياة الانطلاق، وحياة التقيد بأسرة وبنظام. وكلها معان مشتركة فى أمر ذى بال، وأمر خطير. وهو سبحانه وتعالى يقول: «وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النسآء أَوْ أَكْنَنتُمْ فى أَنْفُسِكُمْ» أى لا جناح عليكم أن وضعتم فى أنفسكم أمرا يخفى على المرأة، وللمسلم أن يكنن ويخفى فى نفسه ما يشاء، ولكن ما الذى يُدرى ويعلم المطلقة أنها فى بالك يا من أسررت أمرها فى نفسك؟ إنك لابد أن تلمح وأن تعرض بأسلوب يليق باحترام المرأة. ويقول الحق: «عَلِمَ الله أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ»، إن الذى خلقك يعلم أنها ما دامت فى بالك، ومات زوجها عنها أو طلقها فقد أصبحت أملا بالنسبة لك، فلو أنه ضيق عليك لعوق عواطفك، ولضاعت منك الفرصة لأن تتخذها زوجة من بعد ذلك، ولهذا أباح الحق التعريض حتى لا يقع أحدكم فى المحظور وهو «لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً» بأن تأخذوا عليهن العهد ألا يتزوجن غيركم، أو يقول لها: تزوجيني. بل عليه أن يعرض ولا يفصح ولا يصرح. إن المواعدة فى السر أمر منهى عنه، لكن المسموح به هو التعريض بأدب، «إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً» كأن يقول: «يا سعادة من ستكون له زوجة مثلك». ومثل ذلك من الثناء الذى يُطرب المرأة.