حين حدد الرئيس الأمريكى «بايدن» فى المكالمة الغاضبة الشهيرة مع نتنياهو أسبوعاً، أو أسبوعين على أقصى تقدير للوصول إلى اتفاق لوقف القتال فى غزة، كان يتمنى بالتأكيد أن يذهب إلى مؤتمر الحزب الديمقراطى الذى انعقد قبل أيام وفى يده الاتفاق الذى يفرض التهدئة ولو مؤقتا، ويمنع الانجرار إلى حرب إقليمية شاملة، وربما فى يده الأخرى رهينة أو أكثر من الذين يحملون الجنسية الأمريكية إلى جانب الجنسية الإسرائيلية، ليكون مشهد الوداع الرئاسى المبكر فى مؤتمر الحزب أكثر تأثيراً، ولتكون الصفقة الموعودة إضافة ثمينة لرصيد نائبته كامالاهاريس فى معركتها الضارية ضد ترامب! ولنفس الأسباب.. لم يكن ممكنا لنتنياهو أن يستجيب لما يريده أو يتمناه بايدن فإنهاء الحرب ليس فى «أجندته» وتوسيع الحرب وتفجير المنطقة بحرب إقليمية شاملة هدف دائم لمجرم الحرب الاسرائيلي، وتوريط أمريكا فى حرب جديدة فى هذا التوقيت بالذات هو غاية المراد عند نتنياهو وأى خطوة يمكن أن تفيد الديمقراطيين فى المعركة الانتخابية المشتعلة أمر لا يمكن أن يفكر فيه نتنياهو الذى يراهن على عودة ترامب ليواصل حماقة «صفقة القرن» التى جددها فى الأسبوع الماضى بالحديث المشبوه والملغوم عن «صغر مساحة إسرائيل على الخريطة» الذى يبحث له عن حل! فى كل الأحوال.. كان نتنياهو سيكرر لعبته المعتادة فى إفساد أى محاولة للتهدئة ووقف القتال، وكان وزير الخارجية الأمريكى بلينكن مستعدا كالعادة لتقديم المبررات وابتلاع الفشل الأمريكى والتآمر الإسرائيلي!! لكن ظروف الانتخابات الأمريكية أعطت نتنياهو أسبابا إضافية للإصرار على رفض الاتفاق، وبنفس القدر أوقعت «بلينكن»، فى هذا الارتباك الذى وضع السياسة الأمريكية فى صورة تكاد تقضى على ما تبقى لها من المصداقية.. وهو فى هذه القضية بالذات- يكاد يتلاشى! المثير هنا أن هذا يحدث فى وقت يقول فيه الجيش الإسرائيلى إن الحرب فى غزة انتهت بالنسبة له.. وأنه لم تعد هناك أهداف عسكرية يمكن العمل ضدها، ومع ذلك تصدر تعليمات نتنياهو بمضاعفة القصف ويتوالى إجبار المدنيين على النزوح، ويتم قصف المدارس والبيوت وقتل الأطفال والنساء بالقنابل الأمريكية التى لا يتوقف شحنها لإسرائيل مع تأكد العالم كله أنها تستهدف المدنيين وترتكب الإبادة الجماعية كسياسة ثابتة ومستمرة تراها كل دول العالم وشعوبه لكن الوزير بلينكن وحده «لا يري»، ذلك! والأخطر، أن نتنياهو لن يكتفى بالتصعيد فى غزة والضفة الغربية، بل سوف «يستعجل» إشعال الموقف على الجبهة اللبنانية، وربما مع إيران رغم أن طهران وحزب الله لم يقوما بالرد على اغتيال إسماعيل هنية والقائد العسكرى لقوات حزب الله لإعطاء الفرصة أمام الجهود من أجل الاتفاق على إنهاء الحرب فى غزة. الأخطر الآن أن نتنياهو يريد توريط أمريكا معه فى الحرب المباشرة ضد إيران ويطلب من واشنطن ومن الحلفاء الأوروبيين، ألا يكتفوا بدعم «الدفاع» عن إسرائيل، بل أن يشاركوه «الهجوم» على إيران ولبنان والجهات المساندة. بالتأكيد، لدى أمريكا كل أوراق الضغط على إسرائيل، لكنها لم ولن تستخدمها. رغم كل الاحتياطات رفعت فى مؤتمر الحزب الديمقراطى لافتات تطلب وقف تسليح إسرائيل ويقف السيناتور العظيم «بيرنى ساندرز»، يطلب العدل لفلسطين التى تحولت إلى قضية أساسية فى انتخابات أمريكا رغم كل النفوذ الصهيونى والدعم المادى والإعلامى الذى يملكه، ومع استمرار تفوق «هاريس» فى الاستطلاعات يصبح التصعيد نحو حرب شاملة فى المنطقة أكبر من سياسة ثابتة لنتنياهو.. إنه أيضا ليس بعيدا عن رهانه على ترامب الذى يقلقه كثيرا أن مساحة إسرائيل على الخريطة ما زالت صغيرة، ويعد باتخاذ ما يلزم من تطبيع مجانى وسلام إبراهيمي، إذا عاد للبيت الأبيض.