فى ختام جولته فى المنطقة (وهى التاسعة من بدء حرب الإبادة الإسرائيلية فى غزة) يؤكد وزير الخارجية الأمريكى «بلينكن» أن «الوقت يداهم الجميع، ويتعين التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار فى غزة خلال الأيام القليلة القادمة.. يبدو الأمر مختلفاً هذه المرة مع الحديث المتكرر عن «الفرصة الأخيرة» ومع الإدراك الأمريكى بأن الفشل يعنى اقتراب المنطقة من حرب إقليمية شاملة. ومع ذلك يبدو المشهد − من جانب الوزير الأمريكى - وكأنه تكرار لمشاهد سابقة بادر فيها بلينكن إلى التأكيد على قبول إسرائيل لمقترحات الهدنة ووقف القتال (آخرها مبادرة بايدن) ليلقى المسئولية على الطرف الفلسطينى فى الوقت الذى يظهر فيه نتنياهو مؤكداً أنه لم يقبل التهدئة ولا يريد إنهاء الحرب!! نفس السيناريو يتكرر الآن، ونتنياهو يكرر اللعبة القديمة نسف المفاوضات وخلق أزمة يعرف خطورتها بالحديث عن بقاء قواته فى محور فلادليفيا وعلى الجانب الفلسطينى من معبر رفح، مع الرفض المعتاد للانسحاب من غزة أو الإيقاف النهائى للحرب. لكن خطورة الموقف تفرض على بلينكن هذه المرة أن يعود للتأكيد بأن نتنياهو قد أبلغه الموافقة على المقترحات الجديدة، كما تفرض رداً أمريكياً رسمياً ينسب لمسئول (قد يكون بلينكن نفسه) يصف تصريحات نتنياهو بأنها غير بناءة، وينفى موافقة الوزير الأمريكى على حديث نتنياهو عن محور فيلادليفيا ومعبر رفح!! فى المرات السابقة كانت واشنطن تحاول تغطية موقف نتنياهو الرافض للتهدئة، وتساعده فى شراء الوقت واستمرار الإبادة، وتدفع ثمن ذلك من مصالحها ومكانتها فى المنطقة والعالم. هذه المرة لم يعد ذلك ممكناً(!!).. ما تخشاه أمريكا (والعالم كله) وهو اندلاع الحرب الإقليمية بكل مخاطرها هو ما يتمناه ويسعى له نتنياهو وأنصاره من زعماء عصابات التطرف الذين يشاركونه حكم إسرائيل. حسابات أمريكا نفسها - كما قال الرئيس بايدن - هو أن إنهاء الحرب فى غزة هو ما يمنع هذه الحرب التى لا يريدها إلا نتنياهو ويرى فى احتشاد أساطيل أمريكا وتأهب قواعدها العسكرية فرصة لتوريط أمريكا وتفجير المنطقة. الجهود مازالت مستمرة فى مفاوضات «الفرصة الأخيرة» وبلينكن يقول إن واشنطن ستواصل ضغوطها على إسرائيل. لكنه بدلاً من أن يتحدث عن «إنهاء الحرب» كما وعد بايدن وهو يقدم مبادرته ويطلب تأييد العالم، نجد بلينكن يكرر فى رحلته الأخيرة الحديث عن «الهدنة» ووقف القتال أثناءها.. من يضغط على من؟!