يواصل الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية 292 من سورة البقرة حول قوله تعالى» الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ..» قائلا: والحق سبحانه وتعالى يريد أن يربى فى الناس حل المشكلات بأيسر الطرق. لذلك شرع لنا أن نحل عقدة النكاح، ونهاية العقدة ليست كبدايتها، ليست جذرية، فبداية النكاح كانت أمراً جذريا، أخذناه بإيجاب وقبول وشهود وأنت حين تدخل فى الأمر تدخله وأنت دارس لتبعاته وظروفه، لكن الأمر فى عملية الطلاق يختلف؛ فالرجل لا يملك أغمار نفسه، فربما يكون السبب فيها هيناً أو لشيء كان يمكن أن يمر بغير الطلاق؛ فيشاء الحق سبحانه وتعالى أن يجعل للناس أناة وروية فى حل العقدة فقال: «الطلاق مَرَّتَانِ» يعنى مرة ومرة، ولقائل أن يقول: كيف يكون مرتين، ونحن نقول ثلاثة؟ وقد سأل رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال يا رسول الله قال الله تعالى: «الطلاق مَرَّتَانِ» فلم صار ثلاثاً؟فقال صلى الله عليه وسلم مبتسماً: «فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ». فكأن معنى «الطلاق مَرَّتَانِ»، أى أن لك فى مجال اختيارك طلقتين للمرأة، إنما الثالثة ليست لك، لماذا؟ لأنها من بعد ذلك ستكون هناك بينونة كبرى ولن تصبح مسألة عودتها إليك من حقك، وإنما هذه المرأة قد أصبحت من حق رجل آخر.. «حتى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ»«البقرة: 230». أما قول الرجل لزوجته أنت (طالق ثلاثاً) يُعتبر ثلاث طلقات أم لا؟ نقول: إن الزمن شرط أساسى فى وقوع الطلاق، يطلق الرجل زوجته مرة، ثم تمضى فترة من الزمن، ويطلقها مرة أخرى فتصبح طلقة ثانية، وتمضى أيضا فترة من الزمن وبعد ذلك نصل لقوله: «فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» ولذلك فالآية نصها واضح وصريح فى أن الطلاق بالثلاث فى لفظ واحد لا يوقع ثلاث طلقات، وإنما هى طلقة واحدة، صحيح أن سيدنا عمر رضى الله عنه جعلها ثلاث طلقات؛ لأن الناس استسهلوا المسألة، فرأى أن يشدد عليهم ليكفوا، لكنهم لم يكفوا، وبذلك نعود لأصل التشريع كما جاء فى القرآن وهو «الطلاق مَرَّتَانِ»، وحكمة توزيع الطلاق على المرات الثلاث لا فى العبارة الواحدة، أن الحق سبحانه يعطى فرصة للتراجع. وإعطاء الفرصة لا يأتى فى نفس واحد وفى جلسة واحدة. اقرأ أيضا| سر الرصاصات المجهولة في غرفة الشيخ الشعراوي | فيديو إن الرجل الذى يقول لزوجته: أنت طالق ثلاثاً لم يأخذ الفرصة ليراجع نفسه ولو اعتبرنا قولته هذه ثلاث طلقات لتهدمت الحياة الزوجية بكلمة. ولكن عظمة التشريع فى أن الحق سبحانه وزع الطلاق على مرات حتى يراجع الإنسان نفسه، فربما أخطأ فى المرة الأولى، فيمسك فى المرة الثانية ويندم. وساعة تجد التشريع يوزع أمراً يجوز أن يحدث ويجوز ألا يحدث، فلابد من وجود فاصل زمنى بين كل مرة. وبعض المتشدقين يريدون أن يبرروا للناس تهجمهم على منهج الله فيقولون: إن الله حكم بأن تعدد الزوجات لا يمكن أن يتم فقال: «وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النساء وَلَوْ حَرَصْتُمْ» «النساء: 129». ويقولون: إنّ الله اشترط فى التعدد العدل، ثم حكم بأننا لن نستطيع أن نعدل بين الزوجات مهما حرصنا، فكأنه رجع فى التشريع، هذا منطقهم. ونقول لهم: أكملوا قراءة الآية تفهموا المعنى، إن الحق يقول: «وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النساء وَلَوْ حَرَصْتُمْ» ثم فرع على النفى فقال: «فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الميل» «النساء: 129». وما دام النفى قد فُرِّع عليه فقد انتفى، فالأمر كما يقولون: نفى النفى إثبات. أن الاستطاعة ثابتة وباقية وكان قوله تعالى: «فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الميل» إشارة إليها. وكذلك الأمر هنا «الطلاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ». فما دام قد قال: «فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» وقال: «الطلاق مَرَّتَانِ» أى أن لكل فعل زمناً، فذلك يتناسب مع حلقات التأديب والتهذيب، وإلا فالطلاق الثلاث بكلمة واحدة فى زمن واحد، يكون عملية قسرية واحدة، وليس فيها تأديب أو إصلاح أو تهذيب، وفى هذه المسألة يقول الحق: «وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مما آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً» لأن المفروض فى الزوج أن يدفع المهر نظير استمتاعه بالبضع، فإذا ما حدث الطلاق لا يحل للمطلق أن يأخذ من مهره شيئاً، لكن الحق استثنى فى المسألة فقال: «إِلاَّ أَن يخافا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ».