قلبي مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن الذي وضع نفسه في موقف شديد الصعوبة عندما دخل جولة المفاوضات الأخيرة مع إسرائيل علي أساس محاولة إرضاء جميع الأطراف والتي أثبتت تجارب التاريخ فشل كل من حاول القيام بها. فقد سعي أبومازن الي إرضاء الولاياتالمتحدة وأوروبا واسرائيل ومعسكر المعتدلين العرب بالمشاركة في هذه المفاوضات رغم ادراكه لاستحالة نجاحها علي الأقل في ضوء المواقف الاسرائيلية المعلنة وسياسات الائتلاف اليميني الذي يقوده بنيامين نتنياهو، وأيضا في ضوء العجز الامريكي الواضح عن ممارسة أي ضغوط علي إسرائيل والتزام إدارة الرئيس أوباما بخط الانحياز الامريكي الاعمي لكل ما هو إسرائيلي. وفي نفس الوقت، حاول أبو مازن إرضاء ما يسمي بمعسكر الممانعة الفلسطيني والعربي بالتشدد في قضية تمديد التجميد المؤقت لبرنامج الاستيطان الاسرائيلي وهو يدرك أن شريكه نتنياهو لا يريد ولا يستطيع الاقدام علي هذه الخطوة لانها تعني ببساطة انهيار الائتلاف الحاكم الذي يرأسه بعد أن هددت الاحزاب المتطرفة في هذا الائتلاف بالانسحاب من الحكومة. وتمادي ابومازن في محاولة ارضاء معسكر الممانعة لدرجة تأكيد انسحابه من المفاوضات اذا لم تمدد اسرائيل تجميد الاستيطان والي الحد الذي اعطي هذه المسألة حجما اكبر مما تستحقه. ومن سوء حظ أبو مازن أن خصومه في حركة حماس الفلسطينية اعتبروا اهتمامه بوقف الاستيطان نقطة تحسب لهم باعتبارهم الطرف الذي أجبر الرئيس الفلسطيني علي التمسك بهذا الموقف الوطني . وفي نفس الوقت ينتظر نتيناهو إما تراجع أبو مازن المتوقع عن هذا الموقف ليطرحه علي اليمين الاسرائيلي المتطرف باعتباره انتصارا يحسب له أو الحصول علي ثمن فادح لتمديد تجميد الاستيطان سواء من العرب أو الولاياتالمتحدة. الغريب أن خصوم أبو مازن من الفلسطينيين والعرب أخذوا يوجهون له اللوم بعد المأزق الذي وصلت إليه العملية السلمية ويصفون تمسكه بتجميد الاستيطاني الاسرائيلي بأنه "قضية جزئية" لا يمكن مقارنتها بالقضايا الاساسية للشعب الفلسطيني مثل الحدود والقدس واللاجئين وغيرها.. وقال هؤلاء إن الاسيتطان هو أحد أعراض الاحتلال الاسرائيلي وسوف ينتهي حتما مع نهاية هذا الاحتلال. وإذا كان الفلسطينيون قد قبلوا مناقشة القضايا الاساسية الكبري مثل الحدود والقدس واللاجئين خلال عملية التفاوض فلماذا يصر أبو مازن علي مجرد التجميد المؤقت للمستوطنات قبل أن تبدأ المفاوضات؟! هكذا، اصبحت اسرائيل وحركة حماس في مقدمة المستفيدين من هذا الخطأ الذي وقع فيه أبو مازن عندما دخل المحادثات مع إسرائيل بهوية مزدوجة وملامح متداخلة تجمع بين مرونة المفاوض البراجماتي المعتدل وتشدد الزعيم الوطني الذي يرفض المساومة. المشكلة، أن الواقع الفلسطيني والعربي والدولي لن يسمح لابو مازن بالاستمرار طويلا في ممارسة هذه اللعبة الشيزوفرينية وسوف يتعين عليه الظهور بصورته الحقيقية إن عاجلا أو آجلا، فأما ان يتمسك بالمنهج العملي ويتجاوز القضايا الجانبية التي تتعمد اسرائيل اثارتها لعرقلة المفاوضات او يلتزم بالموقف الراديكالي الذي يصر علي وضع كل التفاصيل في مكانها او اطارها المنطقي والصحيح.. وفي كل الاحوال لن يستطيع ابومازن ابدا تحقيق هدفه المستحيل في ارضاء جميع الاطراف.