علي دائرة من الفضة قام الإدريسي برسم أول خريطة للعالم، بناء علي أمر من الملك الصقلي روجر الثاني، إنما الخريطة التي تعرف عند الغرب بخريطة الإدريسي، ويقال إنها أول خريطة سليمة "أي صحيحة" نعرف عنها، واستغرق العمل علي رسمها 15 عاما. وقد كان لهذه الخريطة الفضل الأكبر في تغيير أوروبا لفكرتها وتصوراتها عن العالم، حيث كانت أوروبا تعيش في العصور المظلمة، وفق تصورات فرضتها الكنيسة عن العالم، وكانت فكرة "كروية الأرض" فكرة مرفوضة دينيا، وجاءت خريطة الإدريسي وأفكاره لتغير هذه الأفكار وتمهد لعصر النهضة. ولد أبوعبدالله محمد بن إدريس المعروف باسم الشريف الإدريسي: سنة 493ه = 1100م في سبتة "شمال المغرب" سنة 560ه1- 1166، وبعد أحد كبار الجغرافيين في التاريخ وأعظم جغرافي ظهر في القرون الوسطي، كما أنه كتب في التاريخ والأدب، والنبات، ودرس الفلسفة، والطب، والنجوم. استخدمت مصوراته وخرائطه في سائر كشوف عصر النهضة الأوروبية. طاف البلاد شرقا وغربا، فزار الحجاز ومصر، ووصل السواحل فرنسا وانجلترا، وسافر إلي القسطنطينية وسواحل آسيا الصغرى، عاش فترة في صقلية في عهد الملك روجر الثاني، وكان يشرح له موقع الأرض في الفضاء مستخدما في ذلك البيضة لتمثيل الأرض، شبه الإدريسي بصفار البيضة المحاط ببياضها تماما كما تهيم الأرض في السماء محاطة بالمجرات. وفي صقلية وبناء علي طلب الملك الصقلي قام بتأليف كتابه الأشهر: "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" ضمنه كل ما عرفه الأقدمون من معلومات، وزاد عليها ما اكتسبه هو وما رآه ورصده في أسفاره ورحلاته وفيه أكثر من سبعين خريطة. تقول موسوعة المعرفة إن هذا الكتاب ظل مرجعا للعلماء الأوربيين لمدة زادت علي ثلاثمائة سنة، ويعرف هذا الكتاب للأوروبيين بكتاب روجر. وقد نهج فيه الإدريسي نهجا جديدا عن غيره من الجغرافيين المسلمين فقد وصل العالم ككل ثم قسمه إلي سبعة أقاليم، وقسم كل إقليم إلي عشرة أقسام رئيسية، ثم وصف كل قسم ورسم له خريطة وتحاشي فيه الخلط بين التاريخ والجغرافيا، ترجمت رحلة الإدريسي هذه كاملة إلي اللغة الفرنسية فقط، بينما هناك ترجمات جزئية منها في شتي لغات العالم، والسبب في ذلك آنما موسوعة ضخمة فقام كل أهل لغة بترجمة ما يهمهم من هذه الموسوعة، دون ترجمة الرحلة بكاملها نظرا إلي طولها ودقة تفاصيلها. ألف الإدريسي كتابا آخر في الجغرافيا سماه: روض الأنس ونزهة النفس أو كتاب الممالك والمسالك، لم يعرف منه إلا مختصر مخطوط، وله كتاب: الجامع لصفات أشتات النبات، وكتاب آخر بعنوان "إنس المهج وروض الفرج"، وقد نشر من هذا الكتاب الأخير "قسم شمال إفريقيا وبلاد السودان". حدد الإدريسي مصدر نهر النيل، ففي موقع معين وضع نقطة تقاطع نهر النيل تحت خط الاستواء، وهذا هو موقعه الصحيح، مما يلغي نظرية بطليموس التي تقول إن مصدر نهر النيل هو تلة في القمر. لم يحظ الإدريسي بالتكريم المناسب، وتجاهلت الكثير من المصادر الحديث عنه، ربما لأنه عمل مع ملك صقلية، ولم تكن أبحاثه في بلده، ولكن في القرن الحادي والعشرين أطلق اسم "ادريسي" علي أحد برامج الحاسوب، وهو نظام معلومات جغرافي يستخدم في أمريكا، ولقد اختير هذا الاسم تكريما للإدريسي لمساهمته الكبيرة في علم الجغرافيا، وتوفي في صقلية في عام 560ه - 1166م.