عرف عن العرب والمسلمين حبهم للترحال ودراسة تاريخ الأمم، وجغرافيا البلاد، لاستكشافها، وبرع أبوالحسن بن اجريس الحموى، المعروف ب«الإدريسى» فى هذا المجال حتى لقب ب«أكبر الرحالة العرب»، لأنه طاف بلدانا كثيرة فى آسيا وأوروبا وأفريقيا، وكانت له إسهامات كثيرة فى علم الجغرافيا، واستخدمت صوره وخرائطه فى سائر كشوف عصر النهضة الأوربية، لأنه كان دقيقا جدا فى وصف المدن وحدود الدول حتى أنه حدد اتجاهات الأنهار والمرتفعات والبحيرات. ومن البلاد التى زارها الأدريسى، بلاد الأندلس، والمغرب، والبرتغال، ومصر، والحجاز، كما أنه وصل إلى سواحل أوروبا فزار فرنسا وإنجلترا، والقسطنطينية، كما وصل إلى سواحل آسيا الصغرى، وانتهى إلى صقلية، فاستقر فى بلاط الملك، ومن هنا وصفه البعض ب«الصقلى».
ولد «الشريف الإدريسى»، وهو عالم مسلم ينتمى إلى آل البيت، فى سبتة فى المغرب الأقصى سنة 493 ه، وتوفى فيها، على الأرجح سنة 560.
نشأ وتثقف فى قرطبة، فوصفه البعض ب«القرطبى»، وأتقن فيها دراسة الجغرافيا والفلك والفلسفة، والطب، والنجوم، والأدب.
اختار الإدريسى الانتقال إلى صقلية بعد سقوط الحكومة الإسلامية، لأن الملك النورمانى فى ذلك الوقت «روجر الثانى» كان محبا للمعرفة، وشرح له الإدريسى موقع الأرض فى الفضاء مستخدما فى ذلك البيضة لتمثيل الأرض، حيث شبه الأرض ب«صفار» البيضة المحاط ببياضها تماما كما تهيم الأرض فى السماء محاطة بالمجرَّات.
وقد ألف الإدريسى كتابه المشهور «نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق»، والمسمى أيضا «كتاب روجر» أو «الكتاب الروجرى» وذلك لأن ملك صقلية هو الذى طلب منه تأليفه، وأصبح هذا الكتاب من أشهر الآثار الجغرافية العربية، واستفاد منه الأوروبيون واستقوا منه معلومات عديدة عن بلاد المشرق، كما استفاد منه الشرقيون، ونقلوا عنه خرائطه، وترجموا بعض أقسامه إلى مختلف لغاتهم.
وأمر الملك الصقلى له بالمال لينقش له خارطة العالم والمعروفة باسم «لوح الترسيم» على دائرة من الفضة، واستخدم الإدريسى خطوط العرض أو الخطوط الأفقية على الخريطة، والكرة الأرضية التى صنعها، وكانت خطوط الطول قد استخدمت من قبله إلا أنه أعاد تدقيقها لشرح اختلاف الفصول بين الدول.
ويقال إنه بعد الفراغ من هذه الخارطة بمدة قصيرة تحطمت خلال اضطرابات مدينة فى صقلية بعد وفاة روجر، فى السنة التى وضعها فيها الإدريسى حيث توفى الملك فخلفه غليام أو غليوم الأول، وظل الإدريسى على مركزه فى البلاط.
وألف الإدريسى للملك الجديد كتابا آخر فى الجغرافيا سمّاه «روض الأنس ونزهة النفس»، أو «كتاب الممالك والمسالك»، ولم يعرف منه إلا مختصر مخطوط موجود فى مكتبة حكيم أوغلو على باشا باسطنبول.
ويقول المؤرخون إن للإدريسى كتاب فى المفردات سماه «الجامع لصفات أشتات النبات»، كما ذكروا أن له كتابا آخر بعنوان «أنس المهج وروض الفرج».
وحدد الإدريسى روافد ومصدر نهر النيل، ففى موقع معين وضع نقطة تقاطع نهر النيل تحت خط الاستواء. ووضح أن نهر النيل يتشكَّل من نهرين هما النيل الأبيض والنيل الأزرق، ويجرى هذان النهران عبر أراضى السودان ويلتقيان فى الخرطوم التى تقع تحت خط الاستواء. وكان تحديد موقع نهر النيل يُلغى نظرية بطليموس فى أن مصدر نهر النيل هو تلة فى القمر.
ويقول أحد المؤرخين إن الإدريسى ترك صقلية فى أواخر أيامه، وعاد إلى بلدته سبتة حيث توفى.