في خضم معترك الحالة السياسية في مصر يمكننا أن نقف عند بعض اللقطات: أولها أن فترة الانتخابات لم تسجل أي حادثة فتنة بين المسلمين والمسيحيين في التسع محافظات التي تعتبر دوما مثار الاحتقان الطائفي وهو مايؤكد أن النسيج المجتمعي في مصر لايعرف التباغض إلانتيجة أعمال خارجية أو مفتعلة. وثانيها أن البعض لاتروق له فكرة تقبل الآخر حتي من قبل أن تبدأ العملية الانتخابية وهو مايعني أنه مدرك لكنه الشعب المصري ولكنه لا يقبله فبادر بالتشكيك في عمليات محدودة وتضخيمها بل ووصل الأمر حد الاستقواء بالخارج والدعوة إلي تدخل أجنبي في الشأن الوطني من رئيس إحد هذه الأحزاب التي ظنت أنها ستحصد من المقاعد مايمكنها من تغيير وجه الشعب ثم أتت المؤشرات علي عكس ما تشتهي السفن! وثالث تلك المواقف مابدا من البعض من استغلال بعض المنابر الدينية للدعوة لمرشحين بعينهم بناء علي مواقف سياسية طائفية وكذلك إطلاق الشائعات المغرضة كدعوة مضادة ضد فصيل بعينه وهذان الأمران يجب لفت النظر إلي خطورتهما علي نسيج المجتمع ويجب أن يتم الاحتكام فيهما إلي قواعد عامة للمجتمع, وللأسف فإن هذا الأمر مازال مستمرا حتي في انتخابات الإعادة للمرحلة الأولي. ورابعة اللقطات هي ذلك الوعي الشعبي بمقاطعة أعضاء الحزب المنحل فلم يحصدون سوي1% من مقاعد المجلس رغم عدم تفعيل الحكم التاريخي لمحكمة المنصورة بعدم أحقيتهم للترشح في الانتخابات الحالية. وخامسة اللقطات أن الاحتكام للصندوق هو أساس العملية الديمقراطية والا لكنا أمام دعوة لتغيير الشعب ومحاولة إعادة استنساخ وثائق فوق دستورية لنطيح هذه المرة بمكتسبات عديدة ومنها العملية الانتخابية برمتها. سادس اللقطات هو تسريبات تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني من غالبية أعضاء الحكومة الحالية والتي تذكرني بمقولة أينشتاين: الحماقة أن تفعل الشيء مرة بعد مرة وتتوقع نتيجة مختلفة. وأعتقد أن ما لاح في الأفق من بوادر خلاف حول سلطتها وسلطة المجلس المنتخب هو استشراف لتلك المقولة مما يستوجب تدارك الأمر. لعل منطق الأمور يسير في اتجاه الاحتكام للمسار الديمقراطي بنصه وروحه بلا تكرار لرفض البعض لحكم كان فحواه أن أعضاء الحزب المنحل أفسدوا فعلا وقولا وتواطئا وسكوتا الحياة السياسية في مصر! لقد أشادت الكثرة داخليا وخارجيا كما أشاد من يدعون أنفسهم نخبا بنجاح العملية الانتخابية رغم ماشابها من هنات تحدث في مختلف المجتمعات. ولعلنا نتذكر إعادة رصد الأوراق في انتخابات الرئاسة الأمريكية في الدورة الأولي للرئيس بوش الابن حين أعيد فرز الأصوات! هذا الأمر عادي ولايشين أول عملية انتخابية حقيقية في مصر من أكثر من نصف قرن خرج الجميع منها من ناخبين ومرشحين جميعهم ناجحين. لقد تشايعت كعديدين غيري للانتخاب علي أساس مافعله المرشح الفردي ومرشحو القوائم لا علي أساس ما يقولونه أو يتوهمونه فالغالبية يمكنها إلقاء خطب عصماء في الوطنية والإصلاح, ولكن بالفعل وحده يمكن التفرقة بين الوطني والانتهازي الحقيقيين. ولعل الجولتين التاليتين تبرهنان علي أن هذا هو منطق الامور, ولعل الناخب والمرشح يدركان أن الشعب ينتخب نوابا لوظائف محددة تختلف عن وظائف أعضاء مجالس المحليات ليمثلوا الشعب جميعه!