مشاهدة الطوابير الطويلة والسعادة التي تبدو علي وجوه المصريين لحظة خروجهم في أول ايام الانتخابات تجعلنا أولا نسجد شكرا وحمدا لله علي أن مكننا من الوصول الي هذه اللحظة وننحني ثانيا امام هذا الشعب الجبار الذي يستطيع ان يقوم البعض منه بالتظاهر والاعتصام في التحرير والبعض الآخر بالوقوف في طوابير أمام لجان الانتخاب, وتجعلنا أيضا ننحني أمام كل من أسهم في هذا الإنجاز العظيم, حتي وإن لم تكتمل بعد الثورة, فإن هذا الحدث لم يأت من فراغ لقد جاء بعد تضحيات ودم بعد أن فاض الكيل فخرجت الملايين في ميادين مصر علي مدار18 يوما في يناير الماضي. المشهد اليوم في مصر تغير ولله الحمد, ولأبطال الثورة الشكر والعرفان, هؤلاء ليسوا فقط شباب6 ابريل وكفاية ومجموعات كلنا خالد سعيد والجمعية الوطنية للتغيير والبرادعي والاسواني وعبدالوهاب المسيري, وإبراهيم عيسي وأيمن نور والصباحي, عبدالمنعم أبوالفتوح وجورج اسحاق وأحمد ماهر ووائل وإسراء وأسماء فهناك الآلاف غيرهم من أبطال السنوات الاخيرة من حكم مبارك أصحاب المواقف الشجاعة كثيرون منهم المفكر والقاضي والإعلامي وأستاذ الجامعة والشاب العاطل والمهندس والمدرس و,الطبيب والفنان والعامل والفني وصاحب الشركة والموظف ومشجع كرة القدم والعشرات من النشطاء الذين خلصونا من هذا النظام الفاسد الذي نشر الفساد كما لم يفعل أي نظام في مصر, منذ عصور الفراعنة, المعروف عن بعضهم طول الحكم وتفشي الفساد. هذه اللحظة التاريخية التي يتمتع بها كل أفراد الشعب المصري جاءت بعد صمت ومعاناة وتضحيات كبيرة, هذه اللحظة ترد علي ماقيل إن الثورة المصرية جاءت كمؤامرة دولية ومع تسليمنا بالتأثير النفسي لنجاح ثورة الياسمين في تونس, فثورة25 يناير ثورة صنعت بأياد مصرية خالصة100%, أشعل شرارتها مجموعة من الشباب المؤهلين الذين تفاعلوا مع العصر وتفوقوا علي العقلية السلبية التي اعتادت المعاناة والقهر, هؤلاء صنعوا واحدة من أهم الثورات الشعبية في التاريخ, استخدموا القلم وشبكة الانترنت والاحتجاج والتظاهر والأعلام وساحات القضاء والتكنولوجيا المتاحة, غامروا بأنفسهم وواجهوا الطغيان بفكر وطني خالص, تحركوا في مساحة التعبير الصغيرة التي توافرت وبتمويل ذاتي من دخلهم البسيط, وبطاقات إبداعية ليس لها حدود, كلهم أستمدوا جذورهم من الشخصية المصرية المبدعة الصارمة في الحق التي علمت العالم الحضارة ومستمرة في إبهاره بما قدمته منذ آلاف السنين. يجب أن نكون أمناء مع أنفسنا ونتذكر أنه لولا فضل الله الذي هيأ هؤلاء وهذه الثورة لكنا الآن نعيش في كنف مبارك الابن بطل التوريث الأول, ولكانت طوابير التهليل والتطبيل تدور في شوارع مصر, ولكانت الشرطة تقوم بدورها في طحن المتظاهرين المعترضين علي القدر المحتوم في حكم آل مبارك, الثورة أزاحت هذه العائلة وبعضا من رجالها, لكن الكثيرين لايزالون في أماكنهم ومازالت آمالهم مرتبطة بتوقف هذه الثورة وفشلها. الشكر أيضا للقوات المسلحة التي ساندت ثورة الشعب لأنها لم يكن لها في تاريخها الطويل من سابقات وقفت فيها ضد الشعب, الجيش كان بلا منازع بطل ثورة25 يناير الفعلي, فهو الذي أوصلها الي بر الامان, أكرر جملة قالها مأمون فندي: أيا كانت المليونيات وأيا كانت صفحات الفيسبوك أو قدرات تويتر علي تسهيل التواصل بين المواطنين, يبقي الجيش هو الفيصل في ثورات العالم الثالث. مهما قيل عن أخطاء أو خروقات فهذه أول مرة نري في مصر انتخابات دون بلطجية ودون تزوير ودون نتيجة معروفة مسبقا مختلفة تماما عما شهدناه في نفس الوقت من العام الماضي من حرب وإغلاق شوارع وتسويد بطاقات وشراء أصوات, لقد أبكاني أحد المواطنين البسطاء وهو يقول لمذيع إحدي القنوات أنه لن يبيع صوته ولا بمليار جنيه. كل هذه الأشياء تعبر عن إيجابية الإنسان المصري ورغبته في التغيير لمستقبل أفضل, يارب نحافظ عليها وتعم نسماتها ربوع بلادنا الجميلة, ونأمل من الحكومة الجديدة أن تري الشعب بعين مختلفه حتي يستطيع أن يراها هو بعين مختلفة. الجنزوري الآن أمام تحدي كسب تأييد الشعب بكل فئاته والاستفادة من طاقته الإيجابية وإطلاق قدرات شباب التحرير نحو البناء والتوقف عن النظر للخلف وإعادة تدوير مخلفات نظام مبارك في الحكومة الجديدة وإلا فلن تنطلق ماكينات الدولة نحو المستقبل.