إلي الان لم يصل قطار الثورة إلي قطاع البترول بعد. رغم أن هناك وزيرين في الحبس, إلا إن النظام السابق لإدارة القطاع لا يزال قائما والوجوه القديمة مازالت تتصدر المناصب القيادية في القطاع. واذا فتشنا عن العقلية التي تحكم إدارة قطاع البترول سوف نجد تميزها بمواصفات اجتماعية مهمة.فهي عقلية استعلائية علي الجماهير, تري أن افراد القطاع جزء من النادي البترولي العالمي الذي يدير صناعة البترول علي المستوي الدولي. وكثير من ابناء القيادات يعملون في شركات بترولية عالمية لها مصالح في مصر. ويحصل هؤلاء الابناء علي رواتب عالية تجعلهم طبقة مترفة فوق جموع الشعب. ولان صناعة البترول صناعة ضخمة وتشمل اقساما متعددة من حفر آبار الي مد خطوط انابيب الي صناعة بتروكيماويات الي اساطيل نقل للمواد البترولية الخ...فإن الموظف الذي ينهي خدمته في أحد الأقسام بالقطاع, يعود مرة اخري في شكل جديد: مستشارا لشركات قطاع خاص, وكيلا لإحدي الشركات الدولية, فإنه بشكل أو آخر يستمر في علاقته بصناعة البترول. ويضاف لماسبق وجود قانون خاص لقطاع البترول متميز عن كادر الدولة, ومن ثم فإن الذهنية التي تحكم القطاع تنظر للموارد البترولية والغاز علي انها ثروة الدولة المصرية والتي تمثلها الوزارة بهيئاتها وشركاتها القابضة وليس المجتمع المصري. هذا المفهوم معيب وعفا عليه الزمن, في حين أن الدراسات الحديثة لحقوق المواطنة وهي جزء من حقوق الانسان, تري أن الموارد جزء من حق كل مواطن, لابد ان يشارك في ملكيتها وفي ادارتها وفي المساءلة والمحاسبة عنها والرقابة علي التصرفات فيها. ولو لاحظنا تفشي ظواهر الفساد البترولي حتي25 يناير2011, فإنها دالة علي انغلاق القطاع علي نفسه ووجود قيادة مركزية تصنع القرار في أضيق الحدود بعيدا عن مشاركة مجتمعية واسعة.ولنضرب مثلا علي ذلك... تصدير الغاز لإسرائيل, حيث ثبت عدم عرض الاتفاقات علي مجلس الشعب ثم سرية العقود حتي الان وسرية الأسعار التي تم البيع بها. وفي الوقت الراهن ترفض وزارة البترول كشف الحجاب وإعلان شكل ومضمون المفاوضات مع وزارة البنية التحتية الإسرائيلية ومع شركة غاز شرق المتوسط رغم ما نسمعه من انباء مقلقة عن رفض الحكومة الاسرائيلية إجراء اي تعديل في الأسعار! مثال آخر.. اتفاقيات بيع الاحتياطي من البترول مقدما وبأسعار متدنية. ولم يعرض الامر علي نواب الشعب بالرغم من أن الأغلبية آنذاك كانت من الحزب الوطني! ونجد العديد من حصص الغاز المباع محليا للمصانع والمنازل قد خصصت للمحاسيب. ومثال أخير حول اتفاقيات البحث والكشف عن الغاز ومنها اتفاقية شركة بريتش بتروليم الأخيرة, والتي فوجئنا بأنه لأول مرة في تاريخ مصر البترولي الحديث نخسر عقود البيع المناصفة, حيث يتقاسم قطاع البترول مع الشريك الأجنبي الانتاج المستخرج من الغاز بعد استرداد النفقات لنتحول الي نموذج جديد يحصل فيه الشريك الأجنبي علي أكثر من75% من الانتاج. ولوكانت هناك مشاركة مجتمعية لتمكنا من ايقاف هذه الاتفاقية المجحفة بحقوق سائر الشعب هذه الطريقة في إدارة موارد البترول والغاز, وهو من أغلي وأكبر موارد المجتمع, هذه الطريقة في الإدارة اشبه بالاقتصاد المملوكي والتعامل مع قطاعات الموارد علي انها اقطاعيات مملوكية و لابد من تغييرها لتتلاءم مع الدولة الحديثة التي تعتمد علي المشاركة المجتمعية وأن أفراد المجتمع هم أصحاب الموارد والمراقبون للتصرفات عليها فكيف يمكن إصلاح ذلك؟ أولا: تغيير آلية الرقابة البرلمانية.... بحيث تعرض كل العقود والاتفاقيات الخاصة ببيع البترول والغاز علي مجلس الشعب,, وأن تعرض ايضا تقارير كل ستة أشهر علي النواب حول ارقام الاحتياطي المؤكد من البترول والغاز.وعلي صعيد آخر فإن الاتفاقات والعقود يجب ان تأخذ وقتها من المناقشة ومن خلال جلسات استماع مطوله واستدعاء خبراء في الصناعة ذاتها وفي القانون والمحاسبة للإدلاء برأيهم الاستشاري أمام أعضاء البرلمان قبيل اقرار هذه الاتفاقيات والعقود. ثانيا: بما ان الموارد حق من حقوق المواطنة, فإنني أطالب بإنشاء وحدة متخصصة داخل المجلس القومي لحقوق الانسان, لمتابعة حقوق المواطنين في موارد البلاد وليس البترول والغاز فقط, وأن تتخصص الوحدة في وضع معايير وآليات للمحاسبة والمساءلة عن ادارة الموارد.ومن جهة أخري, تعيين أعضاء من المجلس القومي لحقوق الانسان في عضوية مجالس ادارات الهيئة المصرية العامة للبترول والشركات القابضة بقطاع البترول لمتابعة حسن ادارة هذه الموارد والتأكد من الشفافية والمساءلة وتطبيق معايير الحكم الرشيد في ادارة هذه الموارد. اذا كان قطار الثورة لم يصل الي قطاع البترول بعد...فإننا مطالبون بفتح الطريق أمامه, وذلك من خلال تضافر جهود الاحزاب والائتلافات الشبابية وذوي الرأي الأحرار للضغط علي الحكومة لتغيير العقلية المسيطرة علي قطاع البترول, ليعود هذا القطاع الوطني الي مسار التنمية والي سيادة الشعب بعد ان تاهت معالمه خلال سنوات الضياع البترولي.