العالم يتغير ولا يزال قطاع البترول المصري بعيدا عن التطور والتحديث. ولا أقصد استحداث الكمبيوترات والسيارات الفارهة وإنشاء الأندية الرياضية السوبر في التجهيزات والمعدات وصالات الجيم، إنما أعني وأقصد العقليات التي تدير القطاع والذهنية التي تحكم الأداء والرؤية المفقودة للإدارة الحديثة والفكر المتحضر. وما أقوله تحديدا خاص بالقيادات، لأن القطاع بلا شك مليء بالعناصر المتقدمة في تفكيرها والكوادر الشريفة النزيهة والتي تعمل في صمت وصبر في أعماق الصحراء وعلي البريمات في عرض البحر وفي وسط مصافي التكرير بلهيبها أو في معامل الأبحاث لمعرفة الجديد في صناعة النفط. فإذا كانت القيادات وعلي رأسها الوزير، لا تبذل الوقت والمجهود للتجديد الحقيقي للفكر والفلسفة التي يجب أن يتقدم بها القطاع..فنحن بذلك ننتكس ونتراجع وننحسر. العالم يتغير ومفاهيم التنمية الاقتصادية والسياسية هي الأخري تتغير، فلم يعد دور الدولة المتحكم الآمر الناهي في موارد التنمية إنما لمشاركة المواطنين والمشاركة المجتمعية دور فاعل وأساسي في الرقابة علي أداء الدولة التي تنوب عن المواطنين باعتبار أن الموارد الاقتصادية ملك للوطن ولكل مواطن الحق في هذه الموارد من خلال مفهوم المواطنة الذي يكفله الدستور. ولذلك فإن قياس مستوي التنمية ومردودها علي المواطنين لا يكون عن طريق زيادة الدخل فقط أو زيادة الاستثمارات، وإنما يكون عن طريق معدل الحقوق التي يتمتع بها المواطن من حصوله علي حقه السليم والضروري من المياه النظيفة والكهرباء والغاز والمواد البترولية والهواء النقي غير الملوث ووسيلة النقل المحترمة وهكذا من سائر حقوق المواطنة. ويعتمد المدخل الحقوقي علي تطبيق معايير الشفافية والمساءلة والحكم الرشيد، بمعني أن المواطن من حقه معرفة كيفية تصرف الحكومة في المورد. وكيفية إدارتها له وما هو مقدار الإنفاق ومقدار الربح.فلا يكفي أن تصدر وزارة البترول بيانات من حين لآخر تصدع بها المواطنين عن زيادة إنتاج الغاز أو نقص كميات البوتاجاز أو توصيل الغاز إلي الصعيد أو زيادة الاستثمارات في قطاع البترول أو زيادة العمالة في القطاع وغير ذلك من الأرقام الباهتة الملغزة..فهذا الأسلوب ينتمي لعصر الدولة ما قبل الحديثة. أما «منهج المدخل الحقوقي » فيعتمد علي تفصيل وتحليل أي رقم اقتصادي. فمثلا عندما تقول وزارة البترول أن الاحتياطي من الغازات الطبيعية قد أصبح 77 تريليون قدم مكعب..فنسأل: هل هو رقم الاحتياطي المؤكد أم الاحتياطي المرجح أم الاحتياطي المحتمل أم هو حاصل جمع الأنواع الثلاثة؟ ثم إن هذا الاحتياطي قال عنه وزير البترول إنه يكفي 33 عاماً، وكان كلام وزير البترول - كما أذكر - أمام رئيس الجمهورية ثم في العديد من البيانات الصحفية.وإذا بنا نكتشف فجأة أن هذا الاحتياطي لا يكفي سوي خمس سنوات، وصرح وزير المالية بطرس غالي الأسبوع الماضي بأن مصر بعد خمس سنوات سوف تستورد غازاً من الخارج وأنها ستسمح للقطاع الاستثماري / الصناعي بتوفير احتياجاته الجديدة من الغاز والمواد البترولية بالاستيراد المباشر من الخارج ! وبحسبة بسيطة فإن فاتورة الاستيراد من الخارج ستصل إلي 90 مليار دولار في السنة! لو كانت الدولة تحترم المواطنة وتحترم مبدأ المشاركة المجتمعية وتحترم حق كل مواطن في الموارد لما عقد وزير البترول والمسئولون معه إتفاقات سرية لبيع الغاز لإسرائيل وغيرها. ويتم حجب العقود وبنودها عن المواطنين، والأدهي من ذلك عن أعضاء مجلس الشعب، فأين الشفافية؟ عدم احترام مبدأي المواطنة المشاركة الديمقراطية هزت صورة قطاع البترول أمام الشعب. وفي «الخناقة» الأخيرة بين قطاع الكهرباء في بيان رسمي وزع علي الصحف بأن قطاع البترول لا يمده باحتياجات محطات الكهرباء من الغاز علاوة علي تعويض ذلك بكميات من المازوت ولكنه غير مطابق للمواصفات. ويعني ذلك لامبالاة قيادات قطاع البترول باحتجاجات القطاعات الأخري الحيوية. إذن القطاع في حاجة إلي نظرة نقدية تحليلية للفلسفة التي يقوم عليها ولتصويب ذهنية القيادة فيه ولمراجعة رؤيته لقضية التنمية ولتحديث أفكاره واستراتيجيته وهياكله وأسلوب عمله ولضبط زاوية اتجاهه لتكون نظرته للشعب كمجموع من المواطنين لا رعايا لا يحق لهم مساءلة ومراقبة ومراجعة وزير البترول وقيادات القطاع. وفي تقديري أنه من الضروري أن يكون للمجتمع المدني دور فاعل في تطوير وتحديث المنظومة التي تحكم قطاع البترول وذلك من خلال: أن يقوم المجلس القومي لحقوق الإنسان بإنشاء وحدة للمدخل الحقوقي في التنمية والموارد. أدعو لإنشاء جمعية مدنية تختص بحماية موارد المجتمع من الطاقة وتضع برامج للمساءلة والرقابة علي تصرف أجهزة الدولة المعنية بموضوعات الطاقة ومواردها. انضمام عضو ليمثل المجتمع المدني وآخر من المجلس القومي لحقوق الإنسان في تشكيل المجلس الأعلي للطاقة ومجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول وجميع الشركات التابعة. وتدريب كوادر قطاع البترول علي مفاهيم التنمية من خلال المدخل الحقوقي والاتصال بأعضاء مجلس الشعب للتوعية بذلك. ولم يكن الممثل هاني رمزي بعيدا عن ذلك في فيلمه المشهور