حسب جهاز التنسيق الحضاري, فإن الهدف الرئيسي من التنسيق الحضاري هو تحسين الصور البصرية للمدن والقري والمجتمعات العمرانية الجديدة, وإزالة كافة التشوهات والتلوث البصري والحفاظ علي الطابع المعماري والعمارني للمناطق المختلفة, وتحقيق القيم الجمالية للعمران المصري بشكل عام بما يشمله ذلك من طرق وميادين وشوارع وحدائق وفراغات عامة ومبان عامة وذات قيمة متميزة, ارتكازا علي كل الوسائل العملية والفنية والإدارية والتشريعية. ومنذ عام2001, العام الذي تم فيه إنشاء الجهاز, أي منذ أكثر من17 عاما, تمت بالفعل بعض المحاولات للتنسيق, وتركزت في وسط القاهرة, أو كما يطلق عليها القاهرة الخديوية; ولكن لم تكتمل تلك المحاولات, ولم تتوسع لتشمل الشوارع والأحياء الأخري. ما حدث منذ ذلك التاريخ هو تدهور منهجي ومستمر وتشويه وتلويث للصور البصرية في كل شارع في كل حي في كل مدينة في مصر, وبشكل خاص في القاهرة. في كل شارع في كل حي حتي تلك التي يطلق عليها تعبير أحياء راقية مثل الزمالك وجاردن سيتي, تتراكم القمامة بدرجات متفاوتة, ولكنها قمامة ألقيت بعشوائية في الشوارع بدلا من تجميعها من المنازل كما كان الوضع قبل قرار التعاقد مع شركة إيطالية لجمع القمامة. وبعد أن تراجعت الشركة الإيطالية لم يتراجع أسلوب جمع القمامة, ليعود كما كان, وبقيت القمامة في الشوارع ملقاة بإهمال هدفا للقطط والغربان الي أن يأتي موعد جمعها. وفي كل شارع وكل حي تتكسر الأرصفة بنفس سرعة رصفها; وتهبط الشوارع بسبب سوء رصفها; ذلك فضلا عن أن الأرصفة باتت مثل الأراجوز, كل متجر وكل عمارة أو فيلا تقوم بتبليط الرصيف أمامها بشكل مختلف, فتحول الرصيف الواحد الي مهرجان من الألوان والأشكال المتنافرة, لا تعكس إلا تحديات الأفراد للقوانين وفساد المحليات التي تمنح التراخيص لكل حسب أهواء أصحاب المحلات والمباني السكنية. أما بالنسبة للإعلانات التي باتت تحيط بنا في كل مكان, والتي تهدد حياتنا خاصة الإعلانات الضخمة علي الطرق السريعة التي تشوش الرؤية وتجذب انتباه السائق عن الطريق, فقد تحولت الي غابة بالرغم من ان الجهاز حدد أن من مهامه وضع أسس ومعايير الإعلانات واللافتات وأماكنها وأنواعها وأحجامها ومساحتها, ولكن المشكلة تتفاقم والاعلانات أصبحت أكثر عشوائية من العشوائيات السكنية. حدد جهاز التنسيق الحضاري بعد إنشائه, قائمة طويلة لأهدافه واختصاصاته ومهامه, والتي منها المحافظة علي المناطق ذات القيمة المتميزة, وتطوير والارتقاء بمناطق معينة, ووضع الأسس والمعايير والدلائل لأعمال التنسيق الحضار; وبقت اللائحة والقائمة حبرا علي ورق, فلم يحقق القيم الجمالية للشكل الخارجي للأبنية والفراغات العمرانية والأثرية ولم يحقق أسس النسيج البصري للمدينة والقرية وكافة المناطق الحضارية بالدولة. وتحولت الأحياء ومبانيها الي كتل صماء قبيحة, وتحولت شوارعها وأرصفتها الي أشكال متنافرة وكلها خرجت من منظومة التنسيق الحضاري. إن التنسيق الحضاري ليس ترفا, والحفاظ علي الصور البصرية للمدن والقري ليس مجرد شكل جميل, ولكن كل ما تراه العين ينعكس علي النفس, فكلما يري الانسان جمالا وتنسيقا في الصور المرئية كلما أصبح أكثر توازنا وهدوءا داخليا, وكلما رأي قبحا وتشوها كلما تشوه داخليا وازداد عنفا وكرها للآخرين. فإن أردنا خلق شعب سوي يجب أولا القضاء علي التشويه والتلوث البصري.