تركز الإعلانات والمواد الدعائية المروجة للتجمعات السكنية والعمرانية الجديدة خصوصاً تلك الموجودة في مناطق كالتجمع الخامس أو السادس من أكتوبر علي مجموعة من التيمات والتصورات الذهنية الثابتة والتي تتكرر في نمطية ممله. فهناك دائماً المنزل المبني علي الطراز الأوربي ذو الجدران البيضاء التي تصيبها الرطوبة بعد أول عام من الاستخدام، والحدائق الخضراء الضيقة أو ملاعب الجولف الواسعة، وحمام السباحة الذي يلهو فيه الأطفال. وهكذا ينقلب التشوه والعشوائية العمرانية التي تمرح فيها أحياء القاهرة القديمة إلي تماثل ونمطية في الأحياء الجديدة التي يفترض بها أن تكون أماكن سكن الصفوة. أما خارج حدود تلك المجتمعات العمرانية الجديدة فقد تركت الشوارع والميادين العامة لفوضي وعبثية شركات الدعاية والإعلان، كأنما لا تتبع هذه المناطق إدارة أي حي أو محافظة. في محافظة 6 أكتوبر علي سبيل المثال ينتصب في أهم ميادينها (ميدان ليلة القدر) تمثال غريب الشكل مهدي من قبل إحدي الشركات التجارية عبارة عن عامل يرفع يده ممسكاً "مفتاح انجليزي" وبجواره امرأة محجبة ترتدي عباءة طويلة علي الطراز الإيراني وتمسك باقة ورود. أما في ميدان الحصري فيوجد مجسم آخر أقامته إحدي شركات الدعائية عبارة عن مجموعة من مصابيح الإضاءة النيون، هذا بخلاف ميدان إحدي شركات المناديل الورقية الذي يحتوي علي مجموعة من المجسمات لعلب المناديل الضخمة. ظاهرة الفوضي المعمارية وتنسيق الميادين في التجمعات العمرانية الجديدة يراها الناقد الفني عز الدين نجيب استكمال لجريمة ممتدة منذ عقود طويلة وهي وضع مسئولية الذوق العام في يد من لا يملك الأهلية. فتجميل الميادين العامة والشوارع وتنمية الذوق العام والحفاظ علي النسق المعماري والجمالي في رأي عز الدين "مسئولية نقابة الفنانين التشكيليين والأساتذة المتخصصين في أكاديميات الفنون، لكن منح هذه المهمة إلي شركات الدعاية والإعلان أو بعض الشركات التجارية جريمة ليست جديدة، ولا يقتصر وجودها علي التجمعات العمرانية في المدن الجديدة بل موجودة في القاهرة والإٍسكندرية وعواصم المحافظات مثل "البلاليص الشهيرة المزخرفة بالأخضر والأصفر في بعض الميادين في عواصم المحافظات المصرية" يشير عز الدين نجيب إلي جانب آخر من الظاهرة وهو أن سحب مسئولية التنسيق الحضاري والعمراني من الفنانين وإعطاءها لشركات الدعاية والإعلان هو تجني علي الفنانين المصريين وسحب فرص عمل كانت من الممكن أن تكون من نصيبهم. ولا أدل من حديث عز الدين نجيب سوي النهضة العمرانية التي شهدتها مدينة دبي والتي ترافق معها ازدياد الحراك الفني في دبي وظهور سوق جديد للفن أصبح من ضمن أهم أسواق الفن العالمية، فأحد العناصر التي تساهم في تحديد سعر العقارات السكنية في دبي هو الأعمال الفنية التي تزين تلك العقارات وتضاعف من قيمتها الجمالية والمعمارية. لكن إذا كان عز الدين نجيب يلقي بالمسئولية علي نقابة الفنانين التشكيليين المصرية، فالقانون المصري قد منح مسئولية تحقيق القيم الجمالية في الفراغ العمراني المصري إلي جهاز التنسيق الحضاري، والذي طبقاً لقرار إنشاءه تتحدد مسئوليته في تحسين الصور البصرية للمدن والقري والمجتمعات العمرانية الجديدة، وكذلك إزالة كافة التشوهات والتلوث البصري والحفاظ علي الطابع المعماري والعمراني للمناطق المختلفة، وتحقيق القيم الجمالية للعمران المصري بشكل عام بما يشمله ذلك من طرق وميادين وشوارع وحدائق وفراغات عامة ومباني عامة وذات قيمة متميزة، ارتكازاً علي كافة الوسائل العلمية والفنية والإدارية والتشريعية. ولهذا تدافع د.سهير حواس عن دور المركز في التجمعات العمرانية الجديدة "تعاونا مؤخراً مع جهاز مدينة الشيخ زايد، فحينما شرعوا في إقامة الإعلانات في الشوارع أخذوا بمشورتنا وتمت عملية تجهيز اللافتات الإعلانية تحت إشراف الجهاز" أما عن التماثيل وعمليات تجميل الميادين والشوارع في التجمعات العمرانية الجديدة، فقد انتقدت حواس بشده الفوضي المنتشرة في بعض تلك الميادين، وقالت أن ترك عمليات التجميل وانشاء مثل هذا التماثيل في يد الشركات الدعائية أمر مرفوض تماماً ولا بد أن تتم تلك العمليات تحت إشراف جهاز التنسيق الحضاري، فالأمر ليس مجرد عمل فني في الفراغ، بل يجب دراسة الميدان والفراغ العمراني المحيط به لاختيار حجم مناسب للتمثال، إلي جانب نظام صيانة التمثال وقيمته الفنية. فالعمل الفني العام يُري من قبل الناس بكثرة ويؤثر فيهم وليس من الصواب تركه للأهواء والأهواء الشخصية. لكن حديث د.سهير الغاضب يبدو بعيداً عن أرض الواقع، إذ نظرنا إلي حالة محافظة 6 أكتوبر الآن حيث تقوم المحافظة بحملة لإطلاق أسماء عشوائية علي ميادين المدينة بمساعدة الشركات التجارية التي تتكفل بتجميل الميدان من خلال لوحات ساذجة وتصميمات فنية عشوائية.