كان عمر بن عبدالعزيز في شبابه ضمير عصره, ونفير ينبه الغافلين تولي إمارة المدينة وعمره25 عاما فكانت حقل تجاربه في السياسية لكن سرعان ما ضاق الوليد بالفتي عمر وعزله عن الإمارة, ولما جاء سليمان بن عبدالمالك قربة منه وجعله وزيرا له. وفي لحظة افتخار وزهو بما هو فيه من ملك عظيم ونعيم فقال, قال سليمان: يا عمر.. كيف تري ما نحن فيه؟. فقال: سرور لولا أنه غرور وحياة, لولا أنه موت! ملك لولا أن هلك! وحسن, لولا أنه حزن! ونعيم, لولا أنه عذاب أليم؟ لم تكن التقوي عند عمر, صلاة وصوما وقيام ليل.. بل كانت جهادا في سبيل إزالة الظلم, ونزع الثروات والثراء من أيدي المغتصين وردها إلي الأمة. فكانت حمل هموم الناس والجهاد كي يسود العدل بين الناس. وتعدت رأفته ورحمته فطاف الانسان إلي الحيوان, فنهي عمال البريد أن يضعوا في طرف السوط الذي ينخسون به الدابة مسمارا.. ومنع أصحاب الدواب إلحامها باللجم الثقيل.. وكان جبارا في وجه بني أميه فهدد أمراءها بالذبح إن حالوا بينه وبين انتزاع الأموال من أيديهم لردها علي الفقراء فقال:.. إن لله في بني مروان ذبحا, وأيم الله لئن كان ذلك الذبح علي يدي ذهب الفقهاء بعد موته بعزوف زوجته فاطمة بنت عبدالملك وسائلين عن اسرار تقوي الخليفة: أخبرينا عنه, فإن أعلم الناس بالرجل أهله قالت فاطمة: والله ما كان بأكثركم صلاة ولا صياما ولكن والله ما رأيت عبدا أشد خوفا لله من عمر, كان همه بالناس أشد من أمر همه بنفسه.. ووالله إن كان عمر ليكون في المكان الذي ينتهي اليه سرور الرجل مع أهله( تقصد الجماع) فيذكر الشئ من أمر الله فيضطرب كما يضطرب العصفور قد وقع في الماء! ثم يرتفع بكاؤه حتي أطرح اللحاف عني وعنه رحمة له؟.. ووالله لوددت لو كان بيننا وبين هذه الإمارة بعد ما بين المشرقينوعندما كانت تسأله السبب كان يقول لقد توليت أمر هذه الأمة أسودها وأحمرها, فذكرت الغريب القانع الضائع, والفقير المحتاج, والأسير المقهور, وأشباههم في أطراف الأرض فخفت علي نفسي حساب الله عن هؤلاء الناس! تولي عمر الخلافة في ظل ثورة الخوارج, ومعارضة الشيعة ورفض المعتزلة للحكم السائد, ولا تنطفئ انتفاضه إلا ويشعلون أخري.. ولما جاء عمر تحلقت من حوله كل التيارات الرافضة والمعارضة لحكم بني أميه.. وأصبح قادة المعتزلة من ولاة عمر, والعلاقة بين عمر وغيلان الدمشقي قائد المعتزلة في الشام ودور غيلان في جهاز دولة عمر اكبر دليل علي هذا التعاون لا التناحر.. كتب غيلان إلي عمر يحدثه عن رأيهم في الحرية والاختبار والقدرة والمسئؤلية التي يثبتونها للإنسان, وينفي أن يكون الله هو الفاعل والمسئول عن فعل الانسان.. فقال: فهل وحدث يا عمر, حكيما يغيب ما صنع؟! أو يصنع ما يعيب؟ أو يعذب علي ما قضي؟! أو يقضي ما يعذب عليه؟! أم هل وجدت رشيدا يدعو إلي الهدي ثم تضل عنه؟! أم هل وجدت رحيما يكلف العباد فوق الطاقة؟! ويعذبهم علي الطاعة؟! أم هل وجدت عدلا يحمل الناس علي الظلم والتظالم؟! وهل وجدت صادقا يحمل الناس علي الكذب والتكاذب بينهم؟! كفي ببيان هذا بيانا, وبالعمي عنه عمي وقدم المعتزلة تكيفا فقهيا وقانونيا عندما أعلنوا أن عدل عمر وثورته علي المطالم تقوم مقام الشوري والاختيار, لأن عدلة قد حقق رضاء الناس عنه ورضاهم به, والرضا بمثابة البيع الاختيار, وأن جاء تاليا لتاريخ التولي والتنصيب: وأصبح عمر بن عبد العزيز أول خليفه أموي يعترف المعتزلة بإمامته وقد حكموا بكفر وفسق كل من سبقوه من خلفاء بني أمية, وعدوه في عداد الائمة الثوار الذين أنكروا المنكر, وتصدوا لولاة الجور وأئمة الضلالة. أما الخوارج فمن حادثة التحكم بين الامام علي بن أبي طالب ومعاوية وهم لا تخمد لهم ثورة إلا وتندلع أخري, ولا ينهزم لهم جيش حتي يجيشوا آخر بديلا.. وثار الخوارج أول خلافة عمر بن عبدالعزيز في الجزيرة شمال العراق بقياة شوذب( بسطام), ولأول مرة تتغير وسائل المواجهة