الخوف والوجل من الله علامة علي طريق السالكين, وكلما وقر الإيمان بالقلب وتجدد في النفس أشتد وجل المؤمن وخوفه من ربه, وكان الخليفة عمر بن الخطاب هو إمام الوجلين يقول الأحنف بن قيس كنت مع عمر بن الخطاب فلقيه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أنطلق معي فأعدني علي فلان فقد ظلمني.. فرفع عمر درته وضرب بها رأس الرجل.. فانصرف الرجل غضبانا أسفا فقال عمر علي بالرجل. فلما عاد, ناوله مخفقته وقال له: خذ واقتص لنفسك مني. قال الرجل: لا والله, ولكني أدعها لله, وانصرف. وعدت مع عمر إلي بيته. فصلي ركعتين ثم جلس يحاسب نفسه ويقول.. ابن الخطاب؟ كنت وضيعا فرفعك الله, وكنت ضالا فهداك الله, وكنت ذليلا فأعزك الله.. ثم حملك علي رقاب الناس فجاءك رجل يستعديك فضربته, فماذا تقول لربك غدا إذا أتيته؟ وأتت الدنيا تحت أقدامه, وترامت له أطراف المعمورة, وجيوشه تدك قصور الملوك من الفرس والروم, لكنه تتساقط دموعه أمام كل لقمة شهية, وكل شربة ماء باردة, وكل ثوب جديد.. دموع حفرت في وجنتيه خطين أسودين من فرط بكائه, وفي كل حين, يزلزله هذا النداء.. ما تقول لربك غدا؟ إن خوفه من الله لم يكن خوف عبودية, بل كان خشية الحرية, فالنفس الأبية لا تقبل الضيم ولا اللوم ولا التقريع, بل كان يخاف ربه ويرجو لربه وقارا, وهو يضرع إليه إجلالا, ويخجل من الكريم الذي رفعه بعد صنعة, وهداه بعد ضلال, وأعزه بعد ذل, وفضله علي كثير من خلقه, فكان يخشي أن يقابل الكرم باللؤم, والوفاء بالخيانةو والنبل بالخسة, ولأنه كانت روحه نبيلة وقلبه أبي فكانت ضربات قلبه تستشعر حب الله وكرمه وفيضه وقدرته وصفحه, فكيف وهو من تأدب بأدب رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يأتي يوما ليقف بين يدي الله بذنب أو تقصير أو ضعف؟ كان يجلس ذات يوم مع أبي موسي الأشعري فقال له: يا أباموسي, هل يسرك أن إسلامنا مع رسول الله وهجرتنا معه وشهادتنا, وعملنا كله يرد علينا, لقاء أن تنجو كفافا, لالنا ولاعلينا؟ ويجيبه أبوموسي, لا والله ياعمر فلقد جاهدنا, وصلينا, وصمنا. وعملنا خيرا كثيرا وأسلم علي أيدينا خلق كثير, وإنا لنرجو ثواب ذلك. فيجيبه عمر ودموعه علي وجنتيه. أما أنا فو الذي نفسي عمر بيده, لوددت أن ذلك يرد لي, ثم أنجو كفافا, رأسا برأس!!لله درك أمير المؤمنين. .. أكل هذا الخوف يا ابن الخطاب. وكل تلك الهيبة التي تملأ نفسك وترجف قلبك من جلال الله..!! وكل تلك الرهبة وأنت من المبشرين بالجنة. آكل هذا الخوف والشيطان يتجنبك والقرآن ينزل بلسانك فما بالنا وقد فرطنا في جنب الله, وظلمنا أنفسنا وشغلتنا الدنيا, وذهب الخوف من نفوسنا فنسينا الله, فأنسانا أنفسنا, وهان علينا الاسلام والقرآن, فهنا علي أرذل الخلق وأكثرهم سوءا.. لله درك يا أمير المؤمنين!! عمر الذي ملأ الدنيا جهادا وورعا وخيرا وجعل الله فتوحات الاسلام علي يديه, وقتل في سبيل الله, عمر ذلك ذلك الإنسان الخاشع الضارع الأواب, لايريد من دنياه إلا أن ينجو كفافا لاوزر ولا أجر..!! إنه يذوب ويتلاشي خوفا من أن يقف بين يدي الله تجزيه لذنب ارتكبه, أو لنعمة لم يؤد حق حمدها, وهو الذي يحمد الله صباح مساء لكنه يعلم أن كل شكر لله انما هو نعمة جديدة تستحق منه شكرا جديدا, وأنه يخشي أن يعجز عن شكر النعم, أو أن يعجز عن حمد مقام نعمة الله عليه, فيصبح أمام الله مقصرا.. فبكي ويكتب الي عامله علي البصرة يقول: صحبت رسول الله, فعززت به بعد الذلة, وقويت به بعد الضعف حتي صرت أميرا مسلطا, وملكا مطاعا, وتقول فيسمع منك, وتأمر فيطاع أمرك, فيالها نعمة, إن لم ترفعك فوق قدرك, وتبطرك علي من دونك. ويضيف: تحوط من النعمة تحوطك من المعصية, فهي أخوفهما عندي عليك, أن تستدرجك وتخدعك. فتسقط سقطة تصير بها الي جهنم, أعيذك بالله وأعيذ نفسي من ذلك..!! يقول جابر بن عبد الله: رأي عمر بن الخطاب لحما معلقا في يدي, فسألني: ما هذا ياجابر, قلت: هو لحم اشتهيته فاشتريته, فقال: أو كلما اشتهيت اشتريت, أما تخاف أن يقال لك يوم القيامة أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا..؟